responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 458
مِنَ النَّارِ وَجَعْلِهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، كَمَا أَنَّ أَعْمَالَهُ الصَّالِحَةَ فِي الدُّنْيَا لَا تَنْفَعُهُ هَذَا النَّوْعَ مِنَ النَّفْعِ ; لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْكُفْرِ يَغْلِبُ تَأْثِيرَهَا، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَنْفَعُ بِجَعْلِ عَذَابِ الْمَشْفُوعِ لَهُ بِفَضِيلَةٍ فِيهِ وَعَمَلٍ صَالِحٍ لَهُ أَخَفَّ مِنْ عَذَابِ الْكَافِرِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فَضَائِلُ وَلَا أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ مِثْلُهَا، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ فِي تَفَاوُتِ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ. وَمَا أَجْدَرَ أَبَا طَالِبٍ بِأَنْ يَكُونَ أَخَفَّ الْكُفَّارِ عَذَابًا بِأَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ الَّتِي أَجَلُهَا كَفَالَةُ الرَّسُولِ وَحِفْظِهِ وَحِيَاطَتِهِ، بَلْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ مُصَدِّقًا لَهُ وَلَكِنَّهُ أَصَرَّ عَلَى الشِّرْكِ اسْتِكْبَارًا وَحَمِيَّةً لِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَبُوهُ وَقَوْمُهُ، وَقَدْ أَثَارَ هَذِهِ الْحَمِيَّةَ فِيهِ أَبُو جَهْلٍ - لَعَنَهُ اللهُ - وَكَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ فَقَدْ آمَنَ بَعْدَ ذَلِكَ - إِذْ كَانَا لَدَيْهِ فِي وَقْتِ تِلْكَ الدَّعْوَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ يَقُولُونَ مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا جَزَعُ الْمَوْتِ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ. فَكَانَ جُلُّ كُفْرِهِ غَلَبَةَ الْحَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَتَعْظِيمَ الْآبَاءِ بِتَقْلِيدِهِمْ وَإِيثَارِ ذَلِكَ عَلَى الشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ، فَأَيْنَ هُوَ مِنْ كُفْرِ الْمُعَانِدِينَ الَّذِينَ آذَوُا الرَّسُولَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِكُلِّ مَا اسْتَطَاعُوا مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذَى، وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَمَا زَالُوا يُحَارِبُونَهُمْ وَيُحَرِّضُونَ النَّاسَ عَلَيْهِمْ إِلَى أَنْ خَذَلَهُمُ اللهُ تَعَالَى، وَنَصَرَ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ؟ وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِأَخَفِّ الْعَذَابِ وَجُوزِيَ بِهِ لَا يَكُونُ مُنْتَفِعًا بِالشَّفَاعَةِ، وَالتَّخْفِيفُ بِسَبَبِهَا بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ مَعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا) (35: 36) وَبِنُصُوصٍ أُخْرَى، فَلَا يَظْهَرُ مَعْنًى لِلشَّفَاعَةِ إِلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ كُلَّ الشَّفَاعَاتِ تَكْرِيمٌ صُورِيٌّ لِلشُّفَعَاءِ بِمَا يَجْزِيهِ اللهُ تَعَالَى عَقِبَ شَفَاعَتِهِمْ لَا بِهَا، كَمَا يَقُولُ الْأَشْعَرِيَّةُ فِي جَمِيعِ الْأَسْبَابِ.
بَعْدَ كِتَابَةِ مَا تَقَدَّمَ وَجَمْعِهِ لِلطَّبْعِ رَاجَعْتُ شَرْحَ الْحَافِظِ لِلْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ مِنَ الْبُخَارِيِّ، فَإِذَا هُوَ قَدْ ذَكَرَ الْإِشْكَالَ وَأَجْوِبَةً عَنْهُ بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْخُصُوصِيَّةِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومِ، وَكَوْنِ التَّخْفِيفِ مِنْ عَذَابِ الْمَعَاصِي دُونَ الْكُفْرِ، وَالتَّجَوُّزِ فِي لَفْظِ الشَّفَاعَةِ. فَنَقَلَ عَنْ (الْمُفْهِمِ شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ) لِلْقُرْطُبِيِّ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا بَالَغَ فِي إِكْرَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالذَّبِّ عَنْهُ جُوزِيَ عَلَى ذَلِكَ بِالتَّخْفِيفِ، فَأُطْلِقَ عَلَى ذَلِكَ شَفَاعَةٌ لِكَوْنِهَا بِسَبَبِهِ. اهـ.
هَذَا وَإِنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ مَبَاحِثَ نُرْجِئُ الْقَوْلَ فِيهَا إِلَى تَفْسِيرِ آيَاتِ السُّوَرِ الْأُخْرَى الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا فِي سِيَاقِ هَذَا الْكَلَامِ، وَنَخْتِمُ الْكَلَامَ هُنَا بِمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ:
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: حَظْرُ إِيذَاءِ الرَّسُولِ أَوْ آلِهِ بِذِكْرِ أَبَوَيْهِ أَوْ عَمِّهِ بِسُوءٍ.
إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ حِكْمَةَ بَيَانِ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَحَدِيثِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُفْرِ مَنْ ذُكِرَ وَعَذَابِهِمْ فِي النَّارِ هِيَ تَقْرِيرُ أَسَاسِ الدِّينِ وَهُوَ التَّوْحِيدُ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ، فَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يُطْلَبُ شَرْعًا هُوَ أَنْ يُذْكَرَ ذَلِكَ فِي مَقَامِ التَّعْلِيمِ، وَهُوَ يَشْمَلُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَتَفْسِيرَهُ، وَرِوَايَةَ الْحَدِيثِ وَشَرْحَهُ - وَمِنْهُ أَوْ مِثْلُهُ السِّيرَةُ النَّبَوِيَّةُ وَتَارِيخُ الْإِسْلَامِ - وَبَيَانَ عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمَنْ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 458
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست