responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 445
بَدَأَ اللهُ سُبْحَانَهُ هَذِهِ السُّورَةَ بَعْدَ حَمْدِ نَفْسِهِ بِبَيَانِ أُصُولِ الدِّينِ وَمُحَاجَّةِ الْمُشْرِكِينَ، فَبَيَّنَ اسْتِحْقَاقَهُ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ، وَإِشْرَاكَهُمْ بِهِ، وَتَكْذِيبَهُمْ بِالْآيَاتِ الَّتِي أَيَّدَ بِهَا رَسُولَهُ وَرَدَّ مَا لَهُمْ مِنَ الشُّبْهَةِ عَلَى الرِّسَالَةِ، ثُمَّ لَقَّنَ رَسُولَهُ طَوَائِفَ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ فِي إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ وَالْبَعْثِ مَبْدُوءَةً بِقَوْلِهِ لَهُ (قُلْ. قُلْ) ثُمَّ أَمَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ بِالتَّذْكِيرِ بِدَعْوَةِ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إِلَى مَثَلِ مَا دَعَا، وَمَا اسْتَنْبَطَهُ هُوَ مِنْهُ مِنْ آيَاتِ التَّوْحِيدِ وَبُطْلَانِ الشِّرْكِ، وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى أَهْلِهِ تَأْيِيدًا لِمِصْدَاقِ دَعْوَتِهِ فِي سُلَالَةِ وَلَدِهِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ، وَلِإِبْرَاهِيمَ الْمَكَانَةُ الْعُلْيَا مِنْ إِجْلَالِ الْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ، كَمَا أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مُتَّفِقُونَ عَلَى إِجْلَالِهِ. وَإِنَّنَا نُقَدِّمُ لِتَفْسِيرِ الْآيَةِ مُقَدِّمَةً فِي أَصْلِ إِبْرَاهِيمَ وَمَسْأَلَةِ كُفْرِ أَبِيهِ آزَرَ وَحِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى فِيمَا قَصَّهُ عَنْهُ، فَنَقُولُ:
(مُقَدِّمَةٌ فِي أَصْلِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَسْأَلَةِ كُفْرِ أَبِيهِ) .
(إِبْرَاهِيمُ) هُوَ الِاسْمُ الْعَلَمُ لِخَلِيلِ الرَّحْمَنِ، أَبِي الْأَنْبِيَاءِ الْأَكْبَرِ مِنْ نُوحٍ، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ - وَهُوَ السِّفْرُ الْأَوَّلُ مِنْ أَسْفَارِ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ - أَنَّهُ الْعَاشِرُ مِنْ أَوْلَادِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَأَنَّهُ وُلِدَ فِي (أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ) وَهِيَ بَلْدَةٌ مِنْ بِلَادِ الْكَلْدَانِ. وَ " أُورُ " بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ، وَمَعْنَاهَا فِي الْكَلْدَانِيَّةِ النُّورُ أَوِ النَّارُ كَمَا قَالُوا. قِيلَ: هِيَ الْبَلْدَةُ الْمَعْرُوفَةُ الْآنَ بَاسِمِ (أُورُفَا) فِي وِلَايَةِ حَلَبَ كَمَا رَجَّحَ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ، وَقِيلَ: غَيْرُهَا مِنَ الْبِلَادِ الْوَاقِعَةِ فِي جَزِيرَةِ الْعِرَاقِ - بَيْنَ النَّهْرَيْنِ - وَفِي أَقْطَارِ الْعَالَمِ الْقَدِيمِ بِلَادٌ وَمَوَاقِعُ كَثِيرَةٌ مَبْدُوءَةُ أَسْمَاؤُهَا بِكَلِمَةِ (أُورُ) وَاقِعَةٌ مَعَ مَا بَعْدَهَا مَوْقِعَ الْمُضَافِ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَأَشْهَرُهَا (أُورَشْلِيمُ) لِمَدِينَةِ الْقُدْسِ، قَالُوا: إِنَّ مَعْنَاهَا مُلْكُ السَّلَامِ، أَوْ إِرْثُ السَّلَامِ، فَ " شَلِيمُ " بِالْعِبْرِيَّةِ هِيَ السَّلَامُ بِالْعَرَبِيَّةِ. وَفِي بَعْضِ التَّوَارِيخِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ قَرْيَةٍ اسْمُهَا (كُوثَى) مِنْ سَوَادِ الْكُوفَةِ. وَكَانَ اسْمُ إِبْرَاهِيمَ (أَبْرَامُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَقَالُوا: إِنْ مَعْنَاهُ (أَبُو الْعَلَاءِ) فَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَةِ " أَبٍ " الْعَرَبِيَّةِ السَّامِيَّةِ مُضَافَةً إِلَى مَا بَعْدَهَا. وَفِي سِفْرِ التَّكْوِينِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى ظَهَرَ لَهُ فِي سِنِّ التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ وَكَلَّمَهُ، وَجَدَّدَ عَهْدَهُ لَهُ بِأَنْ يُكَثِّرَ نَسْلُهُ وَيُعْطِيَهُ أَرْضَ كَنْعَانَ (فِلَسْطِينُ) مُلْكًا أَبَدِيًّا، وَسَمَّاهُ لِذَرِّيَّتِهِ (إِبْرَاهِيمُ) بَدَلَ (أَبْرَامُ) وَقَالُوا: إِنَّ مَعْنَى إِبْرَاهِيمَ (أَبُو الْجُمْهُورِ) الْعَظِيمُ أَيْ أَبُو الْأُمَّةِ. وَهُوَ بِمَعْنَى تَبْشِيرِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ بِتَكْثِيرِ نَسْلِهِ مِنْ إِسْمَاعِيلَ وَمِنْ إِسْحَاقَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَسْرَ هَمْزَتِهِ، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ أَصْلَهَا الْفَتْحُ، وَأَنَّ " إِبْ " الْمَكْسُورَةَ فِي إِبْرَاهِيمَ هِيَ أَبٌ الْمَفْتُوحَةُ فِي أَبْرَامَ. فَالْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْهُ عَرَبِيٌّ، وَالثَّانِي كَلْدَانِيٌّ أَوْ مِنْ لُغَةٍ أُخْرَى مِنْ فُرُوعِ السَّامِيَّةِ أَخَوَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُهَا وَأَوْسَعُهَا، حَتَّى جَعَلَهَا بَعْضُ عُلَمَاءِ اللُّغَاتِ هِيَ الْأَصْلَ وَالْأُمَّ لِسَائِرِ تِلْكَ الْفُرُوعِ السَّامِيَّةِ كَالْعِبْرِيَّةِ وَالسُّرْيَانِيَّةِ. وَذَكَرَ رُوَاةُ الْعَرَبِيَّةِ فِي هَذَا الِاسْمِ سَبْعَ لُغَاتٍ عَنِ الْعَرَبِ وَهِيَ إِبْرَاهِيمُ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 445
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست