responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 433
وَهَذَا الْأَمْرُ بِتَرْكِ هَؤُلَاءِ الْمَغْرُورِينَ قَدْ جَاءَ عَلَى سَبِيلِ التَّهْدِيدِ كَقَوْلِهِ: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (15: 3) وَهُوَ تَهْدِيدٌ بِعَذَابِ الدُّنْيَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: (وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ) (4، 5) وَوَرَدَ مِثْلُهُ عَذَابُ الْآخِرَةِ فِي الْآيَتَيْنِ (43: 83، 70: 42) وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ، وَتَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُمْ، وَأَنَّهُ نُسِخَ بِآيَةِ الْقِتَالِ، رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ وَضَعَّفَهُ الْمُحَقِّقُونَ. وَإِذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ مَعْنَى التَّهْدِيدِ كَانَ مَعْنَاهُ: ذَرْهُمْ وَلَا تَهْتَمَّ بِخَوْضِهِمْ وَلَا تَكْذِيبِهِمْ، وَعَلَيْكَ مَا كُلِّفْتَهُ وَحَمَلْتَهُ مِنْ تَبْلِيغِ دَعْوَةِ رَبِّكَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
(وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ) الْبَسْلُ مَصْدَرُ بَسَلَهُ، يُطْلَقُ بِمَعْنَى حَبْسِ الشَّيْءِ وَمَنْعِهِ بِالْقَهْرِ، وَبِمَعْنَى الرَّهْنِ وَالْإِبَاحَةِ، وَأَبْسَلَ الشَّيْءَ كَبَسَلَهُ: أَسْلَمَهُ لِلْهَلَاكِ، وَمِنْهُ أَسَدٌ بَاسِلٌ وَرَجُلٌ بَاسِلٌ، أَيْ شُجَاعٌ مُمْتَنِعٌ عَلَى أَقْرَانِهِ، أَوْ مَانِعٌ لِمَا يُرِيدُ حِفْظَهُ أَنْ يُنَالَ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: (بِهِ) لِلْقُرْآنِ الْمَعْلُومِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الذِّكْرُ الَّذِي بُعِثَ بِهِ الرَّسُولُ الْمُذَكِّرُ، وَبِقَرِينَةِ الْمُقَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ سُورَةٍ " ق ": (فَذَكِّرْ
بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) (50: 45) وَالْقُرْآنُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا كَمَا قَالُوا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي مَعْنَى الْإِبْسَالِ: الْفَضِيحَةُ، وَالْإِسْلَامُ لِلْهَلَاكِ، وَالْحَبْسُ فِي النَّارِ. وَكَانَ الْأَخِيرُ جَوَابَهُ لِنَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ بِالْأَخَصِّ لِبَيَانِ الْمُرَادِ، قَالَ نَافِعٌ: أَوَتَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ زُهَيْرًا وَهُوَ يَقُولُ:
وَفَارَقَتْكَ بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ ... يَوْمَ الْوَدَاعِ وَقَلْبٍ مُبْسَلٍ غَلِقًا.
وَالْمَعْنَى: وَذَكِّرِ النَّاسَ وَعِظْهُمْ بِالْقُرْآنِ اتِّقَاءَ أَنْ تُبْسَلَ كُلُّ نَفْسٍ فِي الْآخِرَةِ بِمَا كَسَبَتْ، أَيِ اتِّقَاءَ حَبْسِهَا، أَوْ رَهْنِهَا فِي الْعَذَابِ، أَوْ إِسْلَامِهَا إِلَيْهِ، أَوْ مَنْعِهَا مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ، وَتَفَادِيًا مِنْ ذَلِكَ بِمَا بَيَّنَهُ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ مِنْ أَسْبَابِ النَّجَاةِ وَالسَّعَادَةِ. وَيُؤَيِّدُ التَّقْدِيرَ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) (74: 38، 39) الْآيَةَ. وَقَدَّرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ " مَخَافَةَ " أَوْ " كَرَاهَةَ " أَنْ تُبْسَلَ. وَبَعْضُهُمْ: لِئَلَّا تُبْسَلَ.
ثُمَّ وَصَفَ تَعَالَى النَّفْسَ الْبِسِلَةَ أَوْ عَلَّلَ إِبْسَالَهَا بِقَوْلِهِ: (لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ) أَيْ: وَلَيْسَ لَهَا مِنْ غَيْرِ اللهِ وَلِيٌّ، أَيْ نَاصِرٌ يَنْصُرُهَا، أَوْ قَرِيبٌ يَتَوَلَّى أَمْرَهَا، وَلَا شَفِيعٌ يَشْفَعُ لَهَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى: (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ) (40: 18) فِي يَوْمٍ وَصَفَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: (لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ) (2: 254) وَالْأَمْرُ فِيهِ لِلَّهِ وَحْدَهُ (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةِ جَمِيعًا) (39: 44) (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (2: 255) (وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) (34: 23) (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (21: 28)

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 433
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست