responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 427
التَّعْظِيمِ. وَقِيَاسُهُ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى خَاتَمِهِمُ الَّذِي أَكْمَلَ اللهُ بِهِ دِينَهُمْ، وَتَمَّمَ بِهِ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ، وَشَهِدَ لَهُ بِالْخُلُقِ الْعَظِيمِ - لَا يَصِحُّ (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) (2: 253) وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْحَقُّ فِي مَسْأَلَةِ نِسْيَانِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ (ص) بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَخْبَارِ النَّبَوِيَّةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَاخِرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ) (7: 200 - 202) فَظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّ الْخِطَابَ هُنَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ يَأْتِي فِيهِ الْوُجُوهَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا. وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (7: 199) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يَارَبِّ كَيْفَ وَالْغَضَبُ " فَنَزَلَ (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ) الْآيَةَ. وَكَحَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ " مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ وَكَّلَ اللهُ بِهِ قَرِينَهُ مِنَ الْجِنِّ، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَإِيَّايَ إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ ".
فَمَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ النُّصُوصَ جَزَمَ بِأَنَّ سُلْطَانَ الشَّيْطَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ عِبَارَةٌ عَنْ تَمَكُّنُهُ مِنْ إِغْوَائِهِ وَإِضْلَالِهِ، وَإِنَّ مُجَرَّدَ الْوَسْوَسَةِ لَيْسَ سُلْطَانًا، وَلَا سِيَّمَا أَدْنَاهَا وَمَبْدَؤُهَا الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي آيَتَيِ الْأَعْرَافِ بِالنَّزْغِ وَالْمَسِّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ السُّلْطَانُ مَجَازِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ ; لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِكْرَاهِ إِنْسَانٍ عَلَى شَيْءٍ، وَلَكِنْ سُمِّيَتْ طَاعَةُ وَسْوَسَتِهِ سُلْطَانًا تَشْبِيهًا بِطَاعَةِ الْمُلُوكِ وَالْقُوَّادِ الَّذِينَ يُجْبِرُونَ أَتْبَاعَهُمْ عَلَى مَا يَأْمُرُونَهُمْ بِهِ فَيَأْتُونَهُ
كُرْهًا، يَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) (14: 22) الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ: (قُضِيَ الْأَمْرُ) مَعْنَاهُ أَمْرُ الْحِسَابِ فِي الْآخِرَةِ. فَمَنْ وَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ فَأَمَرَهُ بِمُنْكَرٍ فَلَمْ يُطِعْهُ كَانَ مَحْفُوظًا مِنْ إِغْوَائِهِ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَيْهِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ مَزِيَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يُوَسْوِسْ إِلَيْهِ وَلَمْ يُزَيِّنْ لَهُ الْمَعَاصِيَ، إِذَا صَحَّ مَا قَالُوا فِي تَفْضِيلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ مِنْ كَوْنِهِمْ قَدْ رُكِّبَتْ فِيهِمُ الشَّهَوَاتُ الدَّاعِيَةُ إِلَى الْمَعَاصِي، فَقَاوَمُوهَا وَالْتَزَمُوا الطَّاعَةَ، وَفِي إِطْلَاقِهِ بَحْثٌ نَدَعُهُ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ هَرَبًا مِنَ التَّطْوِيلِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمُتَّقِينَ قَدْ يَمَسُّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ - وَهُوَ الْوَسْوَسَةُ أَوْ مَبْدَؤُهَا - وَلَكِنَّهُ إِذَا مَسَّهُمْ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ فَلَا يَقَعُونَ فِي فَخِّ طَاعَتِهِ، بَلْ يُنَبِّهُهُمْ طَائِفُهُ مِنَ الْغَفْلَةِ، فَيَكُونُونَ بَعْدَ مَسِّهِ أَشَدَّ اتِّقَاءً لِمَا لَا يَنْبَغِي

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 427
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست