responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 423
مَعَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بَعْدَ النَّهْيِ وَهُمْ يَتْلُونَهُ أَوْ يُتْلَى عَلَيْهِمْ؟ لِهَذَا شَدَّدَ اللهُ فِي آيَةِ النِّسَاءِ، وَقَالَ فِي الَّذِينَ يَقْعُدُونَ مَعَهُمْ: (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) ، وَأَمَّا أُولَئِكَ فَعَذَرَهُمْ بِنِسْيَانِ النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ:
(وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أَيْ، وَإِنْ فُرِضَ أَنْ أَنْسَاكَ الشَّيْطَانُ النَّهْيَ مَرَّةً مَا، وَقَعَدْتَ مَعَهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالِ ثُمَّ ذَكَرْتَهُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ التَّذَكُّرِ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمْ بِتَكْذِيبِ آيَاتِ رَبِّهِمْ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهَا، بَدَلًا مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهَا بِالْإِيمَانِ وَالِاهْتِدَاءِ بِهَا، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ: (يُنَسِّيَنَّكَ) بِتَشْدِيدِ السِّينِ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ النِّسْيَانَ عُذْرٌ، وَإِنْ تَكَرَّرَ؛ لِأَنَّ فِي التَّنْسِيَةِ مَعْنَى التَّكْرَارِ.
وَهَلِ الْخِطَابُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلرَّسُولِ وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ كَمَا قِيلَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ غَيْرِهَا عَلَى حَدِّ الْمَثَلِ " إِيَّاكِ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَةُ " وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ؟ أَمْ لِلرَّسُولِ بِالذَّاتِ وَلِغَيْرِهِ بِالتَّبَعِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي غَيْرِ الْأَحْكَامِ الْخَاصَّةِ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ لِكُلِّ مَنْ بَلَغَهُ كَمَا قِيلَ آيَاتٌ أُخْرَى؟ أَقُولُ: ظَاهِرُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنِ السُّدِّيِّ وَمُقَاتِلٍ اخْتِيَارُ الْأَوَّلِ مِنْهَا.
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ إِنْسَاءُ الشَّيْطَانِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخِطَابَ فِي الْآيَةِ لَهُ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى عِبَادِ اللهِ الْمُخْلَصِينَ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْلَصُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ وَأَكْمَلُهُمْ، بَلْ وَرَدَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (16: 99: 100) وَلَكِنَّ إِنْسَاءَ الشَّيْطَانِ بَعْضَ الْأُمُورِ لِلْإِنْسَانِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ التَّصَرُّفِ وَالسُّلْطَانِ، وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ إِلَّا لِأَوْلِيَائِهِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فَتَى مُوسَى حِينَ نَسِيَ الْحُوتَ: (وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) (18: 63) وَإِنَّمَا كَانَ فَتَاهُ - أَيْ خَادِمَهُ لَا عَبْدَهُ - يُوشَعُ بْنُ نُونٍ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَفْسِيرِ (فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) (12: 42) الْآيَةَ أَنَّ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ، إِذْ أَمَرَ النَّاجِيَ مِنْ صَاحِبَيْهِ فِي السِّجْنِ بِذِكْرِهِ عَنْدَ الْمَلِكِ وَابْتِغَاءِ الْفَرَجِ مِنْ عِنْدِهِ (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) عُقُوبَةً لَهُ، بَلْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا فِي ذَلِكَ، رَوَوْهُ مُرْسَلًا وَمَوْصُولًا، وَهُوَ " لَوْ لَمْ يَقُلْ يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْكَلِمَةَ الَّتِي قَالَ، مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ، حَيْثُ يَبْتَغِي الْفَرَجَ مِنْ غَيْرِ اللهِ تَعَالَى " هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهَا، أَخْرَجَهَا عَنْهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْعُقُوبَاتِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ نِسْيَانَ الشَّيْءِ الْحَسَنِ الَّذِي يُسْنَدُ إِلَى الشَّيْطَانِ لِكَوْنِهِ ضَارًّا أَوْ مُفَوِّتًا لِبَعْضِ الْمَنَافِعِ، أَوْ لِكَوْنِهِ حَصَلَ بِوَسْوَسَتِهِ وَلَوْ بِإِشْغَالِهَا الْقَلْبَ بِبَعْضِ الْمُبَاحَاتِ - لَا يَصِحُّ أَنْ يُعَدَّ مِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ عَلَى النَّاسِي، وَاسْتِحْوَاذِهِ عَلَيْهِ بِالْإِغْوَاءِ وَالْإِضْلَالِ الَّذِي

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 423
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست