responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 421
وَقَعُوا فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقُرْآنِ فَسَبُّوهُ وَاسْتَهْزَءُوا بِهِ، فَأَمَرَهُمُ اللهُ بِأَلَّا يَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ بِمَكَّةَ إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاضُوا وَاسْتَهْزَءُوا، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: لَا يَصِحُّ لَنَا مُجَالَسَتُهُمْ؛ نَخَافُ أَنْ نَحْرِجَ حِينَ نَسْمَعُ قَوْلَهُمْ وَنُجَالِسُهُمْ فَلَا نَعِيبُ عَلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ (وَإِذَا رَأَيْتَ) أَيْ أَنْزَلَهُ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ السُّورَةِ. وَهَذَا مُرَادُ ابْنِ جُرَيْجٍ أَيْضًا. وَقَوْلُهُمْ نَحْرِجُ " مَعْنَاهُ نَقَعُ فِي الْحَرَجِ وَالْإِثْمِ.
وَفُسِّرَ الْخَوْضُ فِي الْآيَاتِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لِمُفَسِّرِي السَّلَفِ بِالْمِرَاءِ وَالْجَدَلِ وَالْخُصُومَةِ فِيهَا اتِّبَاعًا لِلْأَهْوَاءِ. وَانْتِصَارًا لِلْمَذَاهِبِ وَالْأَحْزَابِ، أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا) وَنَحْوُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ - قَالَ: أَمَرَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَمَاعَةِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ الِاخْتِلَافِ وَالْفُرْقَةِ، وَأَخْبَرَهُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ بِالْمِرَاءِ وَالْخُصُومَاتِ فِي دِينِ اللهِ. وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ؛ فَإِنَّهُمُ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِ اللهِ.
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي الْآيَةِ أَنَّهَا عَامَّةٌ، وَأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَا أَوَّلًا بِالذَّاتِ سَيِّدُنَا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلُّ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَكُلُّ مَا وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ فِي تَفْسِيرِهَا صَحِيحٌ. وَالْمَعْنَى الْعَامُّ الْجَامِعُ الْمُخَاطَبُ بِهِ كُلَّ مُؤْمِنٍ فِي كُلِّ زَمَنٍ: " وَإِذَا رَأَيْتَ " أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ " الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا " الْمُنَزَّلَةِ، مِنَ الْكُفَّارِ الْمُكَذِّبِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ الْمُفَرَّقِينَ، فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ أَيِ انْصَرِفْ عَنْهُمْ، وَأَرِهِمْ عَرْضَ ظَهْرِكَ بَدَلًا مِنَ الْقُعُودِ مَعَهُمْ أَوِ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِكَ " حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ " أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ الَّذِي مَوْضِعُهُ الْكُفْرُ بِآيَاتِ اللهِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهَا مِنْ قِبَلِ الْكُفَّارِ،
أَوْ تَأْوِيلُهَا بِالْبَاطِلِ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، لِتَأْيِيدِ مَا اسْتَحْدَثُوا مِنَ الْمَذَاهِبِ وَالْآرَاءِ، وَتَفْنِيدِ أَقْوَالِ خُصُومِهِمْ بِالْجِدَالِ وَالْمِرَاءِ، فَإِذَا خَاضُوا فِي غَيْرِهِ فَلَا يَأْسَ بِالْقُعُودِ مَعَهُمْ. وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمِيرَ فِي " غَيْرِهِ " لِلْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَاتِ، فَأُعِيدَ الضَّمِيرُ عَلَيْهَا بِحَسَبِ الْمَعْنَى.
وَسَبَبُ هَذَا النَّهْيِ أَنَّ الْإِقْبَالَ عَلَى الْخَائِضِينَ وَالْقُعُودَ مَعَهُمْ أَقَلُّ مَا فِيهِ أَنَّهُ إِقْرَارٌ لَهُمْ عَلَى خَوْضِهِمْ، وَإِغْرَاءٌ بِالتَّمَادِي فِيهِ، وَأَكْبَرُهُ أَنَّهُ رِضَاءٌ بِهِ وَمُشَارَكَةٌ فِيهِ، وَالْمُشَارَكَةُ فِي الْكُفْرِ وَالِاسْتِهْزَاءِ كُفْرٌ ظَاهِرٌ، لَا يَقْتَرِفُهُ بِاخْتِيَارِهِ إِلَّا مُنَافِقٌ مُرَاءٍ أَوْ كَافِرٌ مُجَاهِرٌ، وَفِي التَّأْوِيلِ لِنَصْرِ الْمَذَاهِبِ أَوِ الْآرَاءِ مَزْلَقَةٌ فِي الْبِدَعِ وَاتِّبَاعِ الْأَهْوَاءِ، وَفِتْنَتُهُ أَشَدُّ مِنْ فِتْنَةِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي الْجَدَلِ وَالْمِرَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَغَيْرِهِمْ تَغُشُّهُمْ أَنْفُسُهُمْ بِأَنَّهُمْ يَنْصُرُونَ الْحَقَّ، وَيَخْدِمُونَ الشَّرْعَ، وَيُؤَيِّدُونَ الْأَئِمَّةَ الْمُهْتَدِينَ، وَيَخْذُلُونَ الْمُبْتَدِعِينَ الْمُضِلِّينَ ; وَلِذَلِكَ حَذَّرَ السَّلَفُ الصَّالِحُونَ مِنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَشَدَّ مِمَّا حَذَّرُوا مِنْ مُجَالَسَةِ الْكُفَّارِ، إِذْ لَا يُخْشَى عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنْ فِتْنَةِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 421
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست