responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 379
مَعَهُ أَوْ يَرْزُقُ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَدْعُونَ غَيْرَهُ لِيُقَرِّبَهُمْ إِلَيْهِ وَيَشْفَعُ لَهُمْ عِنْدَهُ، وَهَذَا الدُّعَاءُ عِبَادَةٌ وَشِرْكٌ بِالْإِلَهِيَّةِ لَا تَكْذِيبٌ بِالرُّبُوبِيَّةِ.
وَلَمَّا ذَكَرَ بَيِّنَتَهُ وَتَكْذِيبَهُمْ بِهِ قَفَّى بِرَدِّ شُبْهَةٍ تَخْطُرُ عِنْدَ ذَلِكَ بِالْبَالِ، وَمِنْ شَأْنِهَا أَنْ يَقَعَ عَنْهَا مِنْهُمُ السُّؤَالُ، وَهِيَ أَنَّ اللهَ أَنْذَرَهُمْ عَذَابًا يَحِلُّ بِهِمْ إِذَا أَصَرُّوا عَلَى عِنَادِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، وَوَعَدَ بِأَنْ يُنْصَرَ رَسُولَهُ عَلَيْهِمْ، وَقَدِ اسْتَعْجَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، فَكَانَ عَدَمُ وُقُوعِهِ شُبْهَةً لَهُمْ عَلَى صِدْقِ الْقُرْآنِ، لِجَهْلِهِمْ بِسُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي شُئُونِ الْإِنْسَانِ، فَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: (مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) أَيْ لَيْسَ عِنْدَمَا تَطْلُبُونَ أَنْ يُعَجِّلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ وَعِيدِهِ، وَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ: إِنَّ اللهَ فَوَّضَ أَمْرَهُ إِلَيَّ حَتَّى تُطَالِبُونِي بِهِ وَتَعُدُّونَ عَدَمَ إِيقَاعِهِ حُجَّةً عَلَى تَكْذِيبِهِ (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) أَيْ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي شُئُونِ الْأُمَمِ إِلَّا لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ سُنَنٌ حَكِيمَةٌ وَمَقَادِيرُ مُنْتَظِمَةٌ تَجْرِي عَلَيْهَا أَفْعَالُهُ وَآجَالٌ مُسَمَّاةٌ تَقَعُ فِيهَا، فَلَا يَتَقَدَّمُ شَيْءٌ عَنْ أَجَلِهِ وَلَا يَتَأَخَّرُ (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) (13: 8) (وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى) .
(يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ) قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَعَاصِمٌ " يَقُصُّ " مِنَ الْقَصَصِ، وَهُوَ ذِكْرُ الْخَبَرِ أَوْ تَتَبُّعُ الْأَثَرِ، أَيْ يَقُصُّ عَلَى رَسُولِهِ الْقَصَصَ الْحَقَّ فِي جَمِيعِ أَخْبَارِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، أَوْ يَتَتَبَّعُ الْحَقَّ وَيُصِيبُهُ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ الَّتِي يَتَصَرَّفُ بِهَا فِي عِبَادِهِ، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ " يَقْضِ " مِنَ الْقَضَاءِ وَأَصْلُهُ يَقْضِي بِالْيَاءِ فَحُذِفَتِ الْيَاءُ فِي الْخَطِّ كَمَا حُذِفَتْ فِي اللَّفْظِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَلَمَّا كَانَتِ الْمَصَاحِفُ غَيْرَ مَنْقُوطَةٍ كَانَتِ الْكَلِمَةُ فِي
الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ هَكَذَا " نقص " فَاحْتَمَلَتِ الْقِرَاءَتَيْنِ، وَحَذْفُ حَرْفِ الْمَدِّ الَّذِي يَسْقُطُ مِنَ اللَّفْظِ مَعْهُودٌ فِي الْمَصَاحِفِ، وَمِنْهُ (حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرِ) (سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ) (96: 18) وَمَعْنَاهُ يَقْضِي فِي أَمْرِكُمْ وَغَيْرِهِ الْقَضَاءَ الْحَقَّ، أَوْ يُنْفِذُ الْأَمْرَ وَيُفَصِّلُهُ بِالْحَقِّ، وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ فِي كُلِّ أَمْرٍ؛ لِأَنَّهُ الْحَكَمُ الْعَدْلُ، الْمُحِيطُ عِلْمُهُ وَالنَّافِذُ حُكْمُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَتَقَدَّمَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْقَضَاءِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ.
(قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أَيْ قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ كَقَوْلِهِمْ (اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (8: 32) : " لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ " بِأَنْ كَانَ مِمَّا جَعَلَهُ اللهُ فِي مَكِنَتِي وَتَصَرُّفِي بِقُدْرَتِي الْكَسْبِيَّةِ أَوْ بِجَعْلِهِ آيَةً خَاصَّةً بِي " لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ " بِإِهْلَاكِي لِلظَّالِمِينَ مِنْكُمُ الَّذِينَ يَصُدُّونَنِي عَنْ تَبْلِيغِ دَعْوَةِ رَبِّي وَيَصُدُّونَ النَّاسَ عَنِّي، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ مِنْ عَجَلٍ، وَإِنَّمَا أَسْتَعْجِلُ أَنَا بِإِهْلَاكِ الظَّالِمِينَ مِنْكُمْ مَا وَعَدَنِي رَبِّي مِنْ نَصْرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُصْلِحِينَ الْمَظْلُومِينَ، وَخِذْلَانِ الْكَافِرِينَ الْمُفْسِدِينَ الظَّالِمِينَ، وَهُوَ اسْتِعْجَالٌ لِلْخَيْرِ، وَأَنْتُمْ تَسْتَعْجِلُونَ الشَّرَّ لِأَنْفُسِكُمْ، وَتَقْطَعُونَ عَلَيْهَا طَرِيقَ الْهِدَايَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ لَكُمْ (وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ)

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 379
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست