responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 336
لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا عَقْلٌ وَلَا نَقْلٌ، وَقَوْلُهُ
تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) (35: 24) نَزَلَ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ عَنِ الْبَشَرِ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِحَيَاةِ الْجَمَادِ فَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ بَعْضِ الْفَلَاسِفَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَعَنْ بَعْضِ الطَّبِيعِيِّينَ وَالْكِيمَاوِيِّينَ، وَلَهُمْ عَلَيْهِ دَلَائِلُ عِلْمِيَّةٌ وَنَظَرِيَّةٌ، وَيَتَوَقَّفُ بَيَانُ ذَلِكَ عَلَى تَعْرِيفِ الْحَيَاةِ وَمَظَاهِرِهَا وَخَوَاصِّهَا كَالتَّغَذِّي وَالنُّمُوِّ وَالتَّوَلُّدِ وَالْمَوْتِ، وَفِي تِلْكَ الْجَمَادَاتِ وَلَا سِيَّمَا الْأَجْسَامَ الْمُتَبَلْوِرَةِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَكَانَ شَيْخُنَا الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْحَيَاةَ مُنْبَثَّةٌ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ، وَلَعَلَّنَا نَعُودُ إِلَى هَذَا الْبَحْثِ بَعْدُ.
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ) أَيْ وَالْكُفَّارُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا الْمُنَزَّلَةِ وَمَا أَرْشَدْنَا إِلَيْهِ مِنْ آيَاتِنَا الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِنَا وَصِدْقِ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُنَا تَكْذِيبَ جُحُودٍ وَاسْتِكْبَارٍ، أَوْ تَكْذِيبَ جُمُودٍ عَلَى تَقْلِيدِ الْآبَاءِ وَطَاعَةِ الْكُبَرَاءِ صُمٌّ لَا يَسْمَعُونَ دَعْوَةَ الْحَقِّ وَالْهُدَى سَمَاعَ فَهْمٍ وَقَبُولٍ، وَبُكْمٌ لَا يَنْطِقُونَ بِمَا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ، وَلَا يُقِرُّونَ بِمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ الرَّسُولُ، مُتَسَكِّعُونَ أَوْ حَالَ كَوْنِهِمْ مُتَسَكِّعِينَ خَابِطِينَ فِي تِلْكَ الظُّلُمَاتِ الْحَالِكَةِ ظُلْمَةِ الشِّرْكِ وَالْوَثَنِيَّةِ، وَظُلْمَةِ تَقَالِيدِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَظُلْمَةِ كِبْرِيَاءِ الْعَصَبِيَّةِ، وَظُلْمَةِ الْجَهْلِ وَالْأُمِّيَّةِ، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، لَا يَنْفُذُ مِنْهَا إِلَيْهِمْ مِنْ نُورِ الْهِدَايَةِ شَيْءٌ، فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ صِرَاطَهَا، وَلَا يَرَوْنَ مِنْهَاجَهَا، وَذَلِكَ مَا جَنَوْهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِسُوءِ اخْتِيَارِ الْأَفْرَادِ وَفَسَادِ تَرْبِيَةِ الْمَجْمُوعِ، وَلِكُلِّ سِيرَةٍ غَايَةٌ تَنْتَهِي إِلَيْهَا بِحَسَبِ سُنَنِ اللهِ الَّتِي قَضَتْ بِهَا حِكْمَتُهُ، وَنَفَذَتْ بِهَا مَشِيئَتُهُ.
(مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ) أَيْ مَنْ تَعَلَّقَتْ مَشِيئَةُ اللهِ بِإِضْلَالِهِ يُضْلِلْهُ كَمَا أَضَلَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى، فَلَمْ يَسْتَعْمِلُوا أَسْمَاعَهُمْ وَلَا أَفْوَاهَهُمْ وَلَا عُقُولَهُمْ فِي آيَاتِ اللهِ تَعَالَى الدَّالَّةِ عَلَى حَقِّيَّةِ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا إِضْلَالُهُ إِيَّاهُمُ اقْتِضَاءَ سُنَنِهِ فِي عُقُولِ الْبَشَرِ وَغَرَائِزِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ أَنْ يُعْرِضَ الْمُسْتَكْبِرَ عَنْ دَعْوَةِ مَنْ يَرَاهُ دُونَهُ، وَاتِّبَاعِ مَنْ يَرَاهُ مِثْلَهُ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُ، وَأَنْ يُعْرِضَ الْمُقَلِّدُ عَنِ النَّظَرِ فِي الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ الَّتِي تَنْصَبُّ لِبَيَانِ بُطْلَانِ تَقَالِيدِهِ وَإِثْبَاتِ خِلَافِهَا، مَا دَامَ مَغْرُورًا بِهَا مُكَبِّرًا لِمَنْ جَرَى مِنَ الْآبَاءِ وَالْكُبَرَاءِ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَخْلُقَ اللهُ تَعَالَى الضَّلَالَ لِمَنْ شَاءَ إِضْلَالَهُ خَلْقًا وَيَجْعَلُهُ لَهُ غَرِيزَةً وَطَبْعًا، وَلَا أَنْ يُلْجِئَهُ إِلَيْهِ إِلْجَاءً، وَيُكْرِهَهُ عَلَيْهِ إِكْرَاهًا، فَيَكُونُ إِعْرَاضُهُ عَنِ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ وَإِقْبَالُهُ عَلَى الْبَاطِلِ وَالشَّرِّ كَحَرَكَةِ
الدَّمِ فِي الْجَسَدِ، وَعَمَلِ الْمَعِدَةِ فِي الْهَضْمِ (وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) أَيْ وَمَنْ يَشَأْ هِدَايَتَهُ وَاسْتِقَامَتَهُ يَجْعَلْهُ عَلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ، وَهُوَ طَرِيقُ الْحَقِّ الَّذِي لَا يَضِلُّ سَالِكُهُ، وَلَا يَنْجُو تَارِكُهُ، بِأَنْ يُوَفِّقَهُ لِاسْتِعْمَالِ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَعَقْلِهِ فِي آيَاتِ اللهِ الْمُنَزَّلَةِ وَآيَاتِهِ الْمُكَوِّنَةِ، اسْتِعْمَالًا يَعْرِفُ بِهِ الْحَقَّ وَيَعْتَرِفُ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 336
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست