responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 33
أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: عِمَامَةٌ يَلُفُّ بِهَا رَأْسَهُ وَعَبَاءَةٌ يَلْتَحِفُ بِهَا، وَعَنِ الْإِمَامِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخْعِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَبِي مَالِكٍ وَالْحَسَنِ فِي رَاوِيَةٍ عَنْهُ ثَوْبٌ ثَوْبٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ النَّخْعِيُّ: ثَوْبٌ جَامِعٌ كَالْمِلْحَفَةِ وَالرِّدَاءِ، وَكَانَ لَا يَرَى الدِّرْعَ وَالْقَمِيصَ وَالْخِمَارَ وَنَحْوَهَا جَامِعًا، وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَعْلَاهُ ثَوْبٌ وَأَدْنَاهُ مَا شِئْتَ، وَرَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَبَاءَةٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ أَوْ شَمْلَةٌ، وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ يُدْفَعُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مَا صَحَّ أَنْ يُصَلَّى فِيهِ إِنْ كَانَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً كُلٌّ بِحَسْبِهِ، وَهَذَا يُوَافِقُ مَا اخْتَرْنَاهُ، لِأَنَّ النَّاسَ يُصَلُّونَ عَادَةً بِثِيَابِهِمُ الَّتِي يَلْقُونَ بِهَا النَّاسَ، وَكَذَا مَا قَبْلَهُ إِلَّا قَوْلَ مُجَاهِدٍ.
وَأَمَّا تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ وَهُوَ أَعْلَى الثَّلَاثَةِ فَمَعْنَاهُ إِعْتَاقُ الرَّقِيقِ، فَالتَّحْرِيرُ جَعْلُ الْقِنَّ حُرًّا، وَالرَّقَبَةُ فِي الْأَصْلِ: الْعُضْوُ الَّذِي بَيْنَ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ، وَيُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جُمْلَةِ الْإِنْسَانِ كَمَا يُعَبَّرُ بِلَفْظِ الرَّأْسِ عَنِ الْجُمْلَةِ وَغَلَبَ هَذَا فِي الْأَنْعَامِ، وَبِلَفْظِ الظَّهْرِ عَنِ الْمَرْكُوبِ، وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُ الرَّقَبَةِ فِي الْمَمْلُوكِ وَالْأَسِيرِ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْعِ فِي مَقَامِ التَّحْرِيرِ (الْعِتْقِ) وَفَكِّ الْأَسْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَكُّ رَقَبَةٍ) (90: 13) وَالَّذِي يَسْبِقُ إِلَى فَهْمِي أَنَّ سَبَبَ التَّعْبِيرِ عَنِ الْمَمْلُوكِ وَالْأَسِيرِ بِكَلِمَةِ الرَّقَبَةِ هُوَ مَا فِيهَا مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنَى الْخُضُوعِ، فَإِنَّ الْمَمْلُوكَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ السَّيِّدِ مُنَكَّسَ الرَّأْسِ عَادَةً، وَإِنَّمَا تَنْكِيسُهُ بِحَرَكَةِ الرَّقَبَةِ، وَكَذَلِكَ
الْأَسِيرُ مَعَ مَنْ يَأْسِرُهُ، وَكَانُوا يَضَعُونَ الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الْأَسْرَى، وَإِذَا أَمَرَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بِأَمْرٍ يَحْنِي رَقَبَتَهُ إِذْعَانًا لِأَمْرِهِ، وَيُقَالُ فِي مُقَابِلِ ذَلِكَ: فُلَانٌ لَا يَرْفَعُ بِهَذَا الْأَمْرِ رَأْسًا، أَوْ لَا يَرْفَعُ زَيْدٌ رَأَسَهُ أَمَامَ عَمْرٍو، وَلَوْ أُطْلِقَ لَفْظُ الرَّقَبَةِ عَلَى الْحُرِّ الْمُطْلَقِ لَقُلْتُ: إِنَّ وَجْهَهُ كَوْنُ قَطْعِ الرَّقَبَةِ يُزِيلُ الْحَيَاةَ فَعَبَّرَ بِهَا عَنِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّهُ يَزُولُ بِقَطْعِهَا، وَعَلَّلَ الِاسْتِعْمَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ بِشَرَفِ الرَّقَبَةِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الرَّقَبَةِ الْمُجْزِئَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً كَمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يُشْتَرَطُ فَيُجْزِئُ عِتْقُ الْكَافِرَةِ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْآيَةِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمُ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ هُنَا عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ، إِذْ قَالَ: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) (4: 92) كَمَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ) (2: 282) عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي قَوْلِهِ: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (65: 2) وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا وَرَدَ فِي فَضْلِ عِتْقِ الرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَبِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يُتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ خَاصَّةً بِأَهْلِ عِبَادَتِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَمَالِ الزَّكَاةِ وَذَبَائِحِ النُّسُكِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى اشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْعَشَرَةُ الْمَسَاكِينُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ نَعَمْ إِنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ الرَّحْمَةِ الْعَامَّةِ، وَالصَّدَقَةُ فِيهِ حَتَّى عَلَى الْكُفَّارِ غَيْرِ الْمُحَارِبِينَ مُسْتَحَبَّةٌ،

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 33
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست