responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 329
عَدَمِ اسْتِعْمَالِ عُقُولِهِمْ وَحَوَاسِّهِمْ فِي آيَاتِ اللهِ كَقَوْلِهِ: (أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (7: 179) وَقَوْلُهُ: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) (25: 44) .
وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَرْشَدَنَا إِلَى أَنَّ أَنْوَاعَ الْحَيَوَانِ أُمَمٌ أَمْثَالُ النَّاسِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا وَجْهَ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَجْلِ أَنْ نَسْتَعْمِلَ حَوَاسَّنَا وَعُقُولَنَا فِي الْبَحْثِ الْمُوَصِّلِ إِلَى ذَلِكَ كَمَا قُلْنَا آنِفًا، وَلِلْمَاثَلَةِ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ اهْتَدَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى بَعْضِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَهْتَدِيَ غَيْرُهُمْ إِلَى غَيْرِ مَا اهْتَدَوْا إِلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْعَصْرِ الَّذِي كَثُرَ فِيهِ الْأَخِصَّائِيُّونَ فِي
كُلِّ عِلْمٍ وَفَنٍّ وَتَيَسَّرَتْ فِيهِ أَسْبَابُ الْبَحْثِ، إِذْ يُوجَدُ فِي بِلَادِ الْعِلْمِ وَالْحَضَارَةِ بَسَاتِينُ لِتَرْبِيَةِ أَنْوَاعِ السِّبَاعِ وَالْحَشَرَاتِ وَالْبَهَائِمِ الْوَحْشِيَّةِ وَالْآنِسَةِ وَالطَّيْرِ وَالسَّمَكِ، فَالْعُلَمَاءُ الَّذِينَ يُعْنُونَ بِتَرْبِيَتِهَا وَدَرْسِ غَرَائِزِهَا وَطِبَاعِهَا وَأَعْمَالِهَا فِي تِلْكَ الْبَسَاتِينِ وَفِي غَيْرِهَا قَدْ وَصَلُوا إِلَى عِلْمٍ جَمٍّ، وَوَقَفُوا عَلَى أَسْرَارٍ غَرِيبَةٍ، وَمِمَّا ثَبَتَ مِنْ مُشَابَهَةِ النَّمْلِ لِلنَّاسِ أَنَّهُ يَغْزُو بَعْضُهُ بَعْضًا، وَأَنَّ الْمُنْتَصِرَ يَسْتَرِقُّ الْمُنْكَسِرَ، وَيُسَخِّرُهُ فِي حَمْلِ قُوتِهِ وَبِنَاءِ قُرَاهُ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ صَارَتْ أُمَمُ الْعِلْمِ وَالْحَضَارَةِ تَحْرِصُ عَلَى بَقَاءِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ، فَإِذَا رَأَتْ بَعْضَ مَا يُصَادُ مِنَ الطَّيْرِ وَغَيْرِهَا قَلَّ فِي بِلَادِهَا وَخُشِيَ انْقِرَاضُهُ مِنْهَا تُحَرِّمُ عَلَى النَّاسِ صَيْدَهُ، وَلِهَذَا الْعَمَلِ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ عِنْدَنَا، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَحَبَّ أَنْ تُقْتَلَ الْكِلَابُ فِي الْمَدِينَةِ لِمِثْلِ السَّبَبِ الَّذِي تَقْتُلُ بِهِ حُكُومَةُ مِصْرَ وَغَيْرُهَا الْكِلَابَ الضَّالَّةَ، بَلْ كَانَ أَمَرَ بِذَلِكَ ثُمَّ نَهَى عَنْهُ وَقَالَ: " لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا كُلِّهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَعَلَّلَ قَتْلَ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَمُسْلِمَ بِأَنَّهُ شَيْطَانٌ، أَيْ ضَارٌّ مُؤْذٍ، فَإِنَّ اسْمَ الشَّيْطَانِ يُطْلَقُ لُغَةً عَلَى الْعَارِمِ الْخَبِيثِ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْحَيَوَانِ، وَقَدْ سَأَلَ الْمَنْصُورُ الْعَبَّاسِيُّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ عَنْ سَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْ، فَقَالَ الْمَنْصُورُ: لِأَنَّهُ يَنْبَحُ الضَّيْفَ، وَيُرَوِّعُ السَّائِلَ.
(مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) التَّفْرِيطُ فِي الْأَمْرِ التَّقْصِيرُ فِيهِ وَتَضْيِيعِهِ حَتَّى يَفُوتَ - كَمَا فِي الصِّحَاحِ - وَيُقَالُ: فَرَطَهُ وَفَرَّطَ فِيهِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ، وَمِنْهُ قَوْلُ صَخْرِ الْغَيِّ:
وَذَلِكَ بَزِّي فَلَنْ أَفْرُطَهُ الْبَزُّ هُنَا السِّلَاحُ
، وَيُقَالُ: فَرَطَ فُلَانًا - إِذَا تَرَكَهُ وَتَقَدَّمَهُ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَفْسِيرُ الْكِتَابِ هُنَا بِأُمِّ الْكِتَابِ، وَفَسَّرُوا أُمَّ الْكِتَابِ بِأَنَّهُ أَصْلُهُ وَجُمْلَتُهُ، وَقَالُوا: إِنَّهُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، وَهُوَ خَلْقٌ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ أَثْبَتَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ مَقَادِيرَ الْخَلْقِ مَا كَانَ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ بِحَسَبِ النِّظَامِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالسُّنَنِ الْإِلَهِيَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَسِّرُ الْكِتَابَ هُنَا - وَكَذَا أُمُّ الْكِتَابِ فِي آيَتِيِ الرَّعْدِ وَالزُّخْرُفِ - بِالْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ الْمُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ، شُبِّهَ بِالْكِتَابِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 329
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست