responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 285
لِأَنَّ الْمُرَادَ بِنَصِّهَا بَيَانُ أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ مَوْضُوعُ الدَّعْوَةِ وَالرِّسَالَةِ الْمَقْصُودُ مِنْهَا بِالذَّاتِ، وَتَدُلُّ بِمَوْضِعِهَا دَلَالَةَ إِيمَاءٍ عَلَى أَنَّهُ أَعْظَمُ شَهَادَةً لِلَّهِ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) نَصٌّ عَلَى عُمُومِ بَعْثَةِ خَاتَمِ الرُّسُلِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، أَيْ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَوْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَوِ الْعَرَبِ وَجَمِيعَ مَنْ بَلَغَهُ وَوَصَلَتْ إِلَيْهِ دَعْوَتُهُ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ الْقُرْآنِ تَعُمُّ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَ نُزُولِهِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَأَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ اهـ. يَعْنِي أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ بِالْقُرْآنِ، فَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْقُرْآنُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُخَاطَبًا بِهَذَا الدِّينِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ بِتَبْلِيغِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ بِالْقَوَاعِدِ الْكَلَامِيَّةِ وَالدَّلَائِلِ النَّظَرِيَّةِ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا ذَلِكَ الْعِلْمُ، أَيْ إِلَّا أَنْ يَنُصَّ فِيهَا عَلَى أُصُولِهِ وَأَحْكَامِهِ، وَإِنَّنَا نَرَى الْمُسْلِمِينَ قَدْ تَرَكُوا دَعْوَةَ الْقُرْآنِ وَتَبْلِيغَهُ بَعْدَ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَتَرَكُوا الْعِلْمَ بِهِ، وَبِمَا بَيَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ إِلَى تَقْلِيدِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَإِنْ جَعَلُوا أَنْفُسَهُمْ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْحُجَّةِ.
وَمِمَّا رُوِيَ فِي الْآيَةِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْخَطِيبُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ " مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ فَكَأَنَّمَا شَافَهْتُهُ بِهِ ثُمَّ قَرَأَ (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) وَذَلِكَ أَنَّ الْقُرْآنَ لَمَّا كَانَ مُتَوَاتِرًا بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ كَانَ مَنْ بَلَغَهُ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ وَإِنْ كَثُرَتِ الْوَسَائِطُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَلَّغَهُ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ. وَلَيْسَ لِلْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيِّ كَثِيرُهَا بِالْمَعْنَى هَذِهِ الْمَزِيَّةُ فَهِيَ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ. وَأَخْرَجَ أَبْنَاءُ أَبِي شَيْبَةَ وَالضُّرَيْسُ وَجَرِيرٌ وَالْمُنْذِرُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ فِي الْآيَةِ قَالَ مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ فَكَأَنَّمَا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي لَفْظٍ: مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ حَتَّى يَفْهَمَهُ وَيَعْقِلَهُ كَانَ كَمَنْ عَايَنَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَّمَهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُسَارَى فَقَالَ لَهُمْ: " هَلْ دُعِيتُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ؟ " قَالُوا: لَا. فَخَلَّى سَبِيلَهُمْ ثُمَّ قَرَأَ (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) ثُمَّ قَالَ " خَلُّوا سَبِيلَهُمْ حَتَّى يَأْتُوا مَأْمَنَهُمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يُدْعَوْا ".
ثُمَّ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّهَادَةِ لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ الَّتِي جَحَدَهَا الْمُشْرِكُونَ وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ وَشَهَادَتِهِمْ بِالشِّرْكِ فَقَالَ (أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) قَالُوا: إِنَّ الِاسْتِفْهَامَ هُنَا لِلتَّقْرِيرِ مَعَ الْإِنْكَارِ وَالِاسْتِبْعَادِ، وَقَدْ أَمَرَهُ تَعَالَى أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَشْهَدُ كَمَا يَشْهَدُونَ ثُمَّ أَمَرَهُ أَمْرًا آخَرَ بِأَنْ يَشْهَدَ بِنَقِيضِ مَا يَزْعُمُونَ وَيَتَبَرَّأُ مِنْهُ وَهُوَ أَنْ يُصَرِّحَ بِأَنَّ الْإِلَهَ لَا يَكُونُ إِلَّا وَاحِدًا، وَيَتَبَرَّأَ مِمَّا يُشْرِكُونَ بِهِ مِنَ الْأَصْنَامِ وَغَيْرِهَا أَوْ مِنْ إِشْرَاكِهِمْ مَهْمَا يَكُنْ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 285
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست