responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 277
الْمُحْدَثَاتُ، كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ مِرَارًا بِشَوَاهِدِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ. ثُمَّ وَصَفَ اللهُ تَعَالَى بِمَا يُنَافِي اتِّخَاذَ غَيْرِهِ وَلِيًّا فَقَالَ:
(فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) مُبْدِعِهِمَا أَيْ مُبْدِئِهِمَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا عَرَفْتُ مَا فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى أَتَانِي أَعْرَابِيَّانِ يَخْتَصِمَانِ مِنْ بِئْرٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فَطَرْتُهَا، أَيِ ابْتَدَعْتُهَا، وَأَصْلُ الْفَطَرِ الشَّقُّ، وَمِنْهُ (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ) (82: 1) بِمَعْنَى إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَقِيلَ لِلْكَمْأَةِ فِطْرٌ; لِأَنَّهَا تَفْطِرُ الْأَرْضَ فَتَخْرُجُ مِنْهَا. وَإِيجَادُ الْبِئْرِ إِنَّمَا يُبْتَدَأُ بِشَقِّ الْأَرْضِ بِالْحَفْرِ، وَقَدْ كَانَتِ الْمَادَّةُ الَّتِي خَلَقَ اللهُ مِنْهَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كُتْلَةً وَاحِدَةً دُخَّانِيَّةً، فَفَتَقَ رَتْقَهَا وَفَصَلَ مِنْهَا
أَجْرَامَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَذَلِكَ ضَرْبٌ مِنَ الْفَطْرِ وَالشَّقِّ (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) الرُّؤْيَةُ هُنَا عِلْمِيَّةٌ.
وَصْفُ اللهِ تَعَالَى بِفَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ لَا نِزَاعَ فِيهِ يُؤَيِّدُ إِنْكَارَ اتِّخَاذِ غَيْرِهِ وَلِيًّا يُسْتَنْصَرُ وَيُسْتَعَانُ بِهِ، أَوْ يُتَّخَذُ وَاسِطَةً لِلتَّأْثِيرِ فِي الْإِرَادَةِ الْإِلَهِيَّةِ، فَإِنَّ مَنْ فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِمَحْضِ إِرَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرِ مُؤَثِّرٍ وَلَا شَفَاعَةِ شَافِعٍ يَجِبُ أَنْ يُتَوَجَّهَ إِلَيْهِ وَحْدَهُ بِالدُّعَاءِ، وَإِيَّاهُ يُسْتَعَانُ فِي كُلِّ مَا وَرَاءَ الْأَسْبَابِ، وَأَكَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ) أَيْ يَرْزُقُ النَّاسَ الطَّعَامَ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يَرْزُقُهُ وَيُطْعِمُهُ لِأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَاجَةِ إِلَى الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ، غَنِيٌّ بِنَفْسِهِ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ. وَقَرَأَ أَبُو عُمَرَ: " وَلَا يَطْعَمُ " بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ لَا يَأْكُلُ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ مُؤَيِّدَةٌ لِإِنْكَارِ اتِّخَاذِ وَلِيٍّ غَيْرِ اللهِ، وَفِيهَا تَعْرِيضٌ بِمَنِ اتَّخَذُوا أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ مِنَ الْبَشَرِ بِأَنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَى الطَّعَامِ، لَا حَيَاةَ لَهُمْ وَلَا بَقَاءَ إِلَى الْأَجَلِ الْمَحْدُودِ بِدُونِهِ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَهُمُ الطَّعَامَ، فَهُمْ عَاجِزُونَ عَنِ الْبَقَاءِ بِدُونِهِ وَعَاجِزُونَ عَنْ خَلْقِهِ وَإِيجَادِهِ، فَكَيْفَ يُتَّخَذُونَ أَوْلِيَاءَ مَعَ الْغَنِيِّ الْحَمِيدِ، الرَّزَّاقِ الْفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ؟ كَمَا قَالَ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى النَّصَارَى فِي عِبَادَةِ الْمَسِيحِ وَأُمِّهِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ) (5: 75) وَأَمَّا الْأَوْلِيَاءُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ غَيْرِ الْبَشَرِ كَالْأَصْنَامِ، فَهِيَ أَضْعَفُ وَأَعْجَزُ مِنَ الْبَشَرِ، لِاتِّفَاقِ عُقَلَاءَ الْأُمَمِ كُلِّهَا عَلَى تَفْضِيلِ الْحَيَوَانِ عَلَى الْجَمَادِ وَتَفْضِيلِ الْإِنْسَانِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ.
(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) أَيْ قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ بَعْدَ إِيرَادِ هَذِهِ الْآيَاتِ وَالْحُجَجِ عَلَى وُجُوبِ عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ وَعَدَمِ اتِّخَاذِ غَيْرِهِ وَلِيًّا: إِنِّي أُمِرْتُ مِنْ لَدُنْ رَبِّي الْمَوْصُوفِ بِمَا ذَكَرَ مِنَ الصِّفَاتِ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ إِلَيْهِ وَانْقَادَ لِدِينِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي بُعِثْتُ فِيهَا، فَلَسْتُ أَدْعُو إِلَى شَيْءٍ لَا آخُذُ بِهِ، بَلْ أَنَا أَوَّلُ مُؤْمِنٍ وَعَامِلٍ بِهَذَا الدِّينِ، (وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أَيْ وَقِيلَ لِي بَعْدَ هَذَا الْأَمْرِ بِالسَّبْقِ إِلَى إِسْلَامِ الْوَجْهِ لَهُ:

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 277
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست