responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 274
مَهْضُومِينَ، وَكَثِيرٌ مِنَ الظَّالِمِينَ الْمُسِيئِينَ غَيْرَ مُؤَاخَذِينَ، ذَلِكَ بِأَنَّ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ فِي الدُّنْيَا مِنْ حُسْنِ الْأَثَرِ وَعَلَى الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ مِنْ قُبْحِ الْأَثَرِ، لَيْسَ عَامًّا مُطَّرِدًا فِي جَمِيعِ الْأَفْرَادِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، وَهُوَ يَعْلَمُ مِنَ الِاخْتِبَارِ وَمِنْ سُنَنِ اللهِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالْكَوْنِيَّةِ، وَذَلِكَ يُنَافِي الرَّحْمَةَ، كَمَا يُنَافِي الْعَدْلَ وَالْحِكْمَةَ، فَمِنْ مُقْتَضَى كِتَابَتِهِ سُبْحَانَهُ الرَّحْمَةَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَجْمَعَ النَّاسَ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمْ، وَجَزَاءُ كُلٍّ مِنْهُمْ بِمَا يَقْتَضِيهِ الْعَدْلُ فِي الْكُلِّ وَالْفَضْلُ فِي الْبَعْضِ. وَالْجَمْعُ بِمَعْنَى الْحَشْرِ وَيَتَعَدَّيَانِ بِإِلَى، يُقَالُ: جَمَعَهُمْ إِلَيْهِ وَحَشَرَهُمْ إِلَيْهِ. وَجَمْعُ النَّاسِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَعْنَاهُ حَشْرُهُمْ إِلَى مَوْقِفِهِ أَوْ حِسَابِهِ، أَوْ مَعْنَاهُ لَيَجْمَعَنَّكُمْ مُنْتَهِينَ إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَقِيلَ: إِنَّ " إِلَى " صِلَةٌ، وَقِيلَ: إِنَّهَا بِمَعْنَى " فِي " وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) فَمَعْنَاهُ أَخُصُّ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يُجْمَعُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِالذِّكْرِ أَوِ التَّذْكِيرِ أَوْ بِالذَّمِّ وَالتَّوْبِيخِ فَإِنَّهُمْ لِخُسْرَانِهِمْ أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ هَؤُلَاءِ أَوْلَى بِأَنْ يُتَعْتَعُوا بِالتَّذْكِيرِ، أَوْ بِالذَّمِّ الْمُفْضِي إِلَى التَّفْكِيرِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَنْتُمْ أَيُّهَا الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ. . . إِلَخْ. خَاطَبَهُمْ كَافَّةً ثُمَّ أَبْدَلَ مِنَ الْكُلِّ بَعْضَهُ الْأَجْدَرَ بِالْخِطَابِ الْأَحْوَجَ إِلَيْهِ أَوْ وَصَفَ أُولَئِكَ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا الْوَصْفِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ مَنَاطُ الْإِنْذَارِ وَالْوَعِيدِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْجُمْلَةَ مُسْتَقِلَّةٌ مَعْنَاهَا أَنَّ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَذَا الْجَمْعِ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِخَبَرِهِ. وَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَأَظْهَرُ. وَخَسَارَةُ الْأَنْفُسِ عِبَارَةٌ عَنْ إِفْسَادِ فِطْرَتِهَا وَعَدَمِ اهْتِدَائِهَا بِمَا مَنَحَهَا اللهُ تَعَالَى مِنَ الْهِدَايَاتِ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا آنِفًا، فَالْمُقَلِّدُونَ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ لِأَنَّهُمْ حَرَمُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ اسْتِعْمَالِ أَشْرَفِ النِّعَمِ الْغَرِيزِيَّةِ وَهُوَ الْعَقْلُ، وَحَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَفْضَلَ الْفَضَائِلِ الْكَسْبِيَّةِ وَهُوَ الْعِلْمُ وَالْفَهْمُ، وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُخْطِئَ. أَفْضَلُ مِنَ الْمُقَلِّدِ لِمُجْتَهِدٍ مُصِيبٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ الْمُقَلِّدِ فِي الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى؟ وَالْحِرْمَانُ مِنْ مَضَاءِ الْعَزِيمَةِ وَقُوَّةِ الْإِرَادَةِ خُسْرَانٌ لِلنَّفْسِ يُضَاهِي خُسْرَانَهَا بِفَقْدِ الْعِلْمِ الِاسْتِدْلَالِيِّ، فَإِنَّ ضَعِيفَ الْإِرَادَةِ إِنْ أُوتِيَ حَظًّا مِنَ الْعِلْمِ لَا يَقُومُ بِحَقِّهِ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ كَمَا يَجِبُ. لِأَنَّ مَا يَهْدِي إِلَيْهِ الْعِلْمُ الصَّحِيحُ مِنْ وُجُوبِ نَصْرِ الْحَقِّ وَخَذْلِ الْبَاطِلِ
وَمُجَاهِدَةِ الْأَهْوَاءِ الرَّدِيئَةِ وَعَمَلِ الْخَيْرِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ مَشَقَّةٍ لَا يَحْمِلُهَا إِلَّا ذُو الْعَزِيمَةِ الصَّادِقَةِ، وَالْإِرَادَةِ الثَّابِتَةِ.
فَمَنْ خَسِرَ نَفْسَهُ بِالتَّقْلِيدِ لَا يَنْظُرُ وَلَا يَسْتَدِلُّ حَتَّى يَهْتَدِيَ إِلَى الْإِيمَانِ، وَمَنْ خَسِرَ نَفْسَهُ بِوَهْنِ الْإِرَادَةِ قَلَّمَا يَنْظُرُ وَيَسْتَدِلُّ أَيْضًا، فَإِنْ هُوَ نَظَرَ وَظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ بِمَا قَامَ مِنَ الْبُرْهَانِ عَلَيْهِ قَعَدَ بَعْدَ ضَعْفِ الْإِرَادَةِ عَنِ احْتِمَالِ لَوْمِ اللَّائِمِينَ، وَاحْتِقَارِ الْأَهْلِ وَالْمُعَاشِرِينَ، لِمَنْ تَرَكَ دِينَ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ، وَصَبَا إِلَى حِزْبِ أَعْدَائِهِمْ وَأَعْدَائِهِ. هَذَا مَا يُقَالُ فِي مِثْلِ حَالِ الْمُشْرِكِينَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 274
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست