responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 249
الْمُسَمَّى هُنَا هُوَ الْمَوْتُ وَلَمْ يُسَمِّ التَّوَفِّي الْأَوَّلَ
وَهُوَ النَّوْمُ أَجَلًا، عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ اسْتَدَلَّ عَلَى الْبَعْثِ بِالنَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ الْآتِيَةِ وَآيَةِ الزُّمَرِ وَغَيْرِهِمَا كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ النَّمْلِ: (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا)) (27: 86) .
هَذَا وَإِنَّ مَنْ تَتَبَّعَ ذِكْرَ الْأَجَلِ الْمُسَمَّى فِي الْقُرْآنِ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ عَنِ النَّاسِ يَرَاهُ قَدْ وَرَدَ فِي عُمُرِ الْإِنْسَانِ الَّذِي يَنْتَهِي بِالْمَوْتِ فَرَاجِعْ فِي ذَلِكَ سُورَةَ هُودٍ (11: 3) وَالنَّحْلِ (16: 61) وَطَهَ (20: 129) وَالْعَنْكَبُوتِ (29: 53) وَفَاطِرٍ (35: 45) وَالزَّمَرِ (39: 42) وَغَافِرٍ (40: 67) وَنُوحٍ (71: 4) وَقَدْ ذُكِرَ بَعْضُهَا آنِفًا فَإِذَا عُدَّ هَذَا مُرَجِّحًا يَتَّسِعُ مَجَالُ تَأْوِيلِ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ فِي الْآيَةِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُوصَفْ بِالْمُسَمَّى، فَيُحْتَمَلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ النَّوْمُ وَغَيْرُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَقْوَالِ الَّتِي قَالَهَا مُفَسِّرُو الْخَلْفِ وَمِنْهَا مَا عَزَاهُ الرَّازِيُّ إِلَى حُكَمَاءِ الْإِسْلَامِ مِنْ " أَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَجَلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْآجَالُ الطَّبِيعِيَّةُ وَالثَّانِي الْآجَالُ الِاخْتِرَامِيَّةُ. أَمَّا الْآجَالُ الطَّبِيعِيَّةُ فَهِيَ الَّتِي لَوْ بَقِيَ ذَلِكَ الْمِزَاجُ مَصُونًا مِنَ الْعَوَارِضِ الْخَارِجِيَّةِ لَانْتَهَتْ مُدَّةُ بَقَائِهِ إِلَى الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ، وَأَمَّا الْآجَالُ الِاخْتِرَامِيَّةُ فَهِيَ الَّتِي تَحْصُلُ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ الْعَارِضَةِ كَالْغَرَقِ وَالْحَرْقِ وَلَدْغِ الْحَشَرَاتِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأُمُورِ الْمُعْضِلَةِ " انْتَهَى. وَمِنْهَا أَنَّهُ مَا انْقَضَى مِنْ عُمُرِ كُلِّ أَحَدٍ. وَمِنْهَا قَوْلُ أَبِي مُسْلِمٍ: إِنَّهُ مَا انْقَضَى مِنْ آجَالِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ. وَالْمُسَمَّى عِنْدَهُ أَجْلُ مَنْ يَأْتِي مِنَ الْأُمَمِ لِأَنَّهُ لَا يَزَالُ غَيْبًا.
وَمَعْنَى " مُسَمًّى " عِنْدَهُ أَيْ لَا يَعْلَمُهُ، غَيْرُهُ كَذَا قَالُوا. وَهَذَا إِنَّمَا يَظْهَرُ إِذَا أُرِيدَ بِهَذَا الْأَجَلِ السَّاعَةُ أَيِ الْقِيَامَةُ; لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهَا مَلَكًا مُقَرَّبًا وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلًا. وَأَمَّا إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَوْتُ فَالْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى كَوْنِهِ مُسَمًّى عِنْدَهُ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَ بِهِ مَقَادِيرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَفِيمَا يَكْتُبُهُ الْمَلَكُ عِنْدَمَا يَنْفُخُ الرُّوحَ فِي الْجَنِينِ، كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ " وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: يَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشِقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ " فَمَعْنَى الْعِنْدِيَّةِ إِذًا اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ الَّذِي لَا يَصِلُ إِلَيْهِ كَسْبُنَا، فَهِيَ عِنْدِيَّةُ تَشْرِيفٍ وَخُصُوصِيَّةٍ وَهَذِهِ الْكِتَابَةُ كَالْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ بِالشَّيْءِ لَا تَقْتَضِي الْجَبْرَ وَلَا سَلْبَ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ، كَمَا بَيَّنَاهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) هُوَ كَقَوْلِهِ قَبْلَهُ: (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) فِي دَلَالَتِهِ عَلَى اسْتِبْعَادِ الِامْتِرَاءِ وَهُوَ الشَّكُّ فِي الْبَعْثِ مِنَ الْإِلَهِ الْقَدِيرِ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَقَدَّرَ آجَالَكُمْ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ دَلَالَةً لَا تُبْقِي لِاسْتِبْعَادِ الْبَعْثِ
وَجْهًا، فَإِذَا كَانَ سَبَبُ الِاسْتِبْعَادِ عَدَمَ رُؤْيَةِ مِثَالٍ لِهَذَا الْبَعْثِ وَهُوَ الْوَاقِعُ فَمَثَلُهُ أَنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ مَثَلًا لِخَلْقِ أَصْلِكُمْ وَجَدِّكُمُ الْأَوَّلِ مِنْ تُرَابٍ، وَلَا لِخَلْقِ غَيْرِكُمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ; فَإِنَّ التَّوَلُّدَ الذَّاتِيَّ لَا يَقَعُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ، خِلَافًا لِمَا كَانَ يَتَوَهَّمُهُ عُلَمَاءُ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ فِي تَوَلُّدِ دُودِ الْفَاكِهَةِ وَالْجُبْنِ وَالْفِيرَانِ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 249
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست