responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 247
ذَلِكَ بِلَا الْتِبَاسٍ كَمَا هُنَا، وَالتَّعْبِيرُ بِالْجَعْلِ دُونَ الْخَلْقِ يُلَائِمُ هَذَا، فَإِنَّ الْجَعْلَ يَشْمَلُ الْخَلْقَ وَالْأَمْرَ أَيِ الشَّرْعَ كَمَا تَقَدَّمَ فَيُفَسَّرُ جَعْلُ كُلِّ نُورٍ بِمَا يَلِيقُ بِهِ، فَجَعْلُ الدِّينِ شَرْعُهُ وَالْقُرْآنِ إِنْزَالُهُ وَالرَّسُولِ إِرْسَالُهُ وَالْعِلْمِ وَالْهُدَى تَهْيِئَةُ أَسْبَابِهِمَا.
وَقَدْ ذُكِرَ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ عَلَى خَلْقِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ وَأَشْرَفُ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا خُلِقَتْ قَبْلَ الْأَرْضِ كَمَا ذُكِرَ عَنْ قَتَادَةَ آنِفًا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ مَعْرُوفٌ.
(ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أَوْ عَلَى جُمْلَةِ " خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " وَقَدْ عُطِفَتْ بِثُمَّ الدَّالَّةِ عَلَى بُعْدِ مَا بَيْنَ مَدْلُولَيِ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ; لِإِفَادَةِ اسْتِبْعَادِ مَا فَعَلَهُ الْكَافِرُونَ وَكَوْنِهِ ضِدَّ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ لِلْإِلَهِ الْحَقِيقِ بِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ; لِكَوْنِهِ هُوَ الْخَالِقُ لِجَمِيعِ الْكَوْنِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ وَمَا
فِيهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ، وَالْهَادِي لِمَا فِيهِ مِنَ النُّورِ الَّذِي يَهْتَدِي بِهِ الْمُوَفَّقُونَ فِي كُلِّ ظُلْمَةٍ مِنْهَا، كَأَنَّهُ قَالَ: وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَعْدِلُونَ بِهِ غَيْرَهُ أَيْ يَجْعَلُونَهُ عَدْلًا لَهُ، أَيْ عَدِيلًا مُسَاوِيًا لَهُ فِي كَوْنِهِ يُعْبَدُ وَيُدْعَى لِكَشْفِ الضُّرِّ وَجَلْبِ النَّفْعِ، فَهُوَ بِمَعْنَى يُشْرِكُونَ بِهِ، وَيَتَّخِذُونَ لَهُ أَنْدَادًا وَقِيلَ: يَعْدِلُونَ بِأَفْعَالِهِ عَنْهُ وَيَنْسُبُونَهَا إِلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَجْعَلْهُ سَبَبًا لِتِلْكَ الْأَفْعَالِ، كَالْمَعْبُودَاتِ الَّتِي يَنْسُبُونَ إِلَيْهَا مَا لَيْسَ لَهَا أَدْنَى تَأْثِيرٍ فِيهِ، وَأَدْنَى مِنْ هَذَا أَنْ تُنْسَبَ إِلَى الْأَسْبَابِ مَعَ نِسْيَانِ فَضْلِ اللهِ الَّذِي سَخَّرَ لَهُمْ تِلْكَ الْأَسْبَابَ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ مَعْرِفَةُ السَّبَبِ وَالْخَالِقِ الْوَاضِعِ لِلْأَسْبَابِ رَحْمَةً مِنْهُ بِالْعِبَادِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَعْدِلُونَ عَنِ الْحَقِّ وَهُوَ التَّوْحِيدُ وَمَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنْ حَمْدِ الْخَالِقِ وَشُكْرِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَدَلَ عَنِ الشَّيْءِ عُدُولًا إِذَا جَارَ عَنْهُ وَانْحَرَفَ، وَمَالَ إِلَى غَيْرِهِ وَانْصَرَفَ.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) هَذَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ جَاءَ عَلَى الِالْتِفَاتِ عَنْ وَصْفِ الْخَالِقِ تَعَالَى بِمَا دَلَّ عَلَى حَمْدِهِ وَتَوْحِيدِهِ إِلَى خِطَابِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَدَلُوا بِهِ غَيْرَهُ فِي الْعِبَادَةِ، يُذَكِّرُهُمْ بِهِ بِمَا هُوَ أَلْصَقُ بِهِمْ مِنْ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالْبَعْثِ، وَهُوَ خَلْقُهُمْ مِنَ الطِّينِ، وَهُوَ التُّرَابُ الَّذِي يُخَالِطُهُ الْمَاءُ فَيَكُونُ كَالْعَجِينِ وَقَدْ خَلَقَ اللهُ آدَمَ أَبَا الْبَشَرِ مِنَ الطِّينِ كَمَا خَلَقَ أُصُولَ سَائِرِ الْأَحْيَاءِ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ إِذْ كَانَتْ حَالَتُهَا مُنَاسِبَةً لِحُدُوثِ التَّوَلُّدِ الذَّاتِيِّ، بَلْ خَلَقَ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْبَشَرِ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ فَبِنْيَةُ الْإِنْسَانِ مُكَوَّنَةٌ مِنَ الْغِذَاءِ، وَمِنْهُ مَا فِي رَحِمِ الْأُنْثَى مِنْ جَرَاثِيمِ النَّسْلِ وَمَا يُلَقِّحُهُ مِنْ مَاءِ الذَّكَرِ، فَهُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنَ الدَّمِ، وَالدَّمُ مِنَ الْغِذَاءِ، وَالْغِذَاءُ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ أَوْ مِنْ لُحُومِ الْحَيَوَانِ الْمُتَوَلِّدِ مِنَ الْأَرْضِ، فَمَرْجِعُ كُلٍّ إِلَى النَّبَاتِ مِنَ الطِّينِ، وَمَنْ تَفَكَّرَ فِي هَذَا ظَهَرَ لَهُ ظُهُورًا جَلِيًّا أَنَّ الْقَادِرَ عَلَيْهِ لَا يُعْجِزُهُ أَنْ يُعِيدَ هَذَا الْخَلْقَ كَمَا بَدَأَهُ، إِذَا هُوَ أَمَاتَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 247
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست