responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 226
الْكَلَامُ وَمَقْصُودُهُ مِنْهُ تَفْوِيضُ الْأُمُورِ كُلِّهَا إِلَى اللهِ وَتَرْكُ التَّعَرُّضِ وَالِاعْتِرَاضِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلِذَا خَتَمَ الْكَلَامَ بِقَوْلِهِ: (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) يَعْنِي أَنْتَ قَادِرٌ عَلَى مَا تُرِيدُ، حَكِيمٌ فِي كُلِّ مَا تَفْعَلُ، لَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ عَلَيْكَ، فَمَنْ أَنَا وَالْخَوْضُ فِي أَحْوَالِ الرُّبُوبِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: " إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ " فَنَقُولُ: إِنَّ غُفْرَانَهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، قَالُوا: لِأَنَّ الْعِقَابَ حَقُّ اللهِ عَلَى الْمُذْنِبِ وَفِي إِسْقَاطِهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُذْنِبِ، وَلَيْسَ فِي إِسْقَاطِهِ عَلَى اللهِ مَضَرَّةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا. بَلْ دَلَّ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ فِي شَرْعِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ، فَلَعَلَّ هَذَا الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ مَا كَانَ مَوْجُودًا فِي شَرْعِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ.
وَهَذَا الْوَجْهُ مُخَالِفٌ لِلْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ مِنْ نُصُوصِ الْقُرْآنِ وَصِحَاحِ الْأَحَادِيثِ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ لَا حَاجَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى تَفْصِيلِهَا وَتَرْجِيحِ مَذْهَبِ السَّلَفِ وَأَهْلِ الْأَثَرِ بِهَا عَلَى مَذْهَبِ الْأَشَاعِرَةِ فِي مَوْضُوعِ إِثْبَاتِ الْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا عَلَيْهِ وَتَنْزِيهِهِ عَنْ ضِدِّهِمَا، وَلَا إِلَى بَيَانِ كَوْنِ الْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ لَا يُعْقَلُ أَنْ يَتَحَقَّقَا فِيمَنْ لَا فَرْقَ فِي أَفْعَالِهِ بَيْنَ الْأَضْدَادِ، بِحَيْثُ يَكُونُ الضِّدَّانِ عِنْدَهُ فِي الْحُسْنِ وَالْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ سَوَاءً.
وَلَكِنَّنَا نَقُولُ: إِنَّ حَاصِلَ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يُجِيزُ وَيَسْتَحْسِنُ الْغُفْرَانَ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَسَنٌ مَعْقُولٌ فِي نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُوجَدُ مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْهُ فِي شَرْعِهِ. وَهَذَا يُخَالِفُ نَصَّ قَوْلِهِ تَعَالَى الْمُتَقَدِّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْوَجْهَ يَقْتَضِي اخْتِلَافَ دِينِ اللهِ الْوَاحِدِ، فِي هَذَا الْأَصْلِ مِنْ أُصُولِ الْعَقَائِدِ، وَأَنْ تَكُونَ مِلَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْعَدَ مِنْ مِلَّةِ عِيسَى عَلَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ وَمَغْفِرَتُهُ وَالنُّصُوصُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا أَجْدَرُ مِنْ غَيْرِهَا بِهَذِهِ السَّعَةِ، وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ غُفْرَانِ الشِّرْكِ لَوْ كَانَ مِمَّا يَشْرَعُهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ; لَأَنَّ مَنْ جَاءَ بِهَا هُوَ الَّذِي خَاطَبَهُ
اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (21: 107) وَقَالَ فِيهِ إِنَّهُ يَضَعُ عَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنْ أَجْوِبَتِهِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ تَوْبَةِ مَنْ قَالُوا ذَلِكَ الْكُفْرَ، وَهُوَ بَدِيهِيُّ الْبُطْلَانِ، وَلَوْ صَحَّ لَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْهُودَ فِي الْقُرْآنِ أَنْ تُقْرَنَ الْمَغْفِرَةُ لِلتَّائِبِينَ بِذِكْرِ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ لَا بِذِكْرِ الْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا رُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ مُخَالِفًا لِلْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ فِي الْآيَاتِ كَانَا بَعْدَ رَفْعِ عِيسَى إِلَى السَّمَاءِ (قَالَ فِي تَصْوِيرِهِ) يَعْنِي: إِنْ تَوَفَّيْتَهُمْ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 226
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست