responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 210
الْكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ: هَلْ تَسْتَطِيعُ سُؤَالَ رَبِّكَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ: هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ؟ وَالْمَعْنَى هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَسْأَلَهُ مِنْ غَيْرِ صَارِفٍ يَصْرِفُكَ عَنْ ذَلِكَ؟ (5) إِنَّ الِاسْتِطَاعَةَ هُنَا بِمَعْنَى الْإِطَاعَةِ وَالْمَعْنَى هَلْ يُطِيعُكَ وَيُجِيبُ دُعَاءَكَ رَبُّكَ إِذَا سَأَلْتَهُ ذَلِكَ؟
وَأَقُولُ: رُبَّمَا يَظُنُّ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ الْأَخِيرَ تَكَلُّفٌ بَعِيدٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالِاسْتِطَاعَةُ اسْتِفْعَالٌ مِنَ الطَّوْعِ وَهُوَ ضِدُّ الْكُرْهِ. قَالَ تَعَالَى: (فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) (41: 11) وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ: الطَّوْعُ نَقِيضُ الْكُرْهِ. طَاعَهُ يَطُوعُهُ وَطَاوَعَهُ، وَالِاسْمُ الطَّوَاعَةُ وَالطَّوَاعِيَةُ (ثُمَّ قَالَ) وَيُقَالُ: طِعْتُ لَهُ وَأَنَا أُطِيعُ طَاعَةً، وَلِتَفْعَلَنَّهُ طَوْعًا أَوْ كُرْهًا وَطَائِعًا أَوْ كَارِهًا، وَجَاءَ فُلَانٌ طَائِعًا غَيْرَ مُكْرَهٍ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَطَاعَ يَطَاعُ وَأَطَاعَ لَانَ وَانْقَادَ، وَأَطَاعَهُ إِطَاعَةً وَانْطَاعَ لَهُ كَذَلِكَ. وَفِي التَّهْذِيبِ: وَقَدْ طَاعَ لَهُ يَطُوعُ إِذِ انْقَادَ لَهُ بِغَيْرِ أَلِفٍ فَإِذَا مَضَى لِأَمْرِهِ فَقَدْ أَطَاعَهُ. فَإِذَا وَافَقَهُ فَقَدْ طَاوَعَهُ. اهـ. فَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ إِطَاعَةَ الْأَمْرِ فِعْلُهُ عَنِ اخْتِيَارٍ وَرِضًا; وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِهِ عَنِ امْتِثَالِ أَوَامِرِ الدِّينِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ دِينًا إِلَّا إِذَا كَانَتْ عَنْ إِذْعَانٍ وَوَازِعٍ نَفْسِيٍّ، وَالَّذِي أَفْهَمَهُ أَنَّ الِاسْتِفْعَالَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ كَالِاسْتِفْعَالِ فِي مَادَّةِ الْإِجَابَةِ، فَإِذَا كَانَ " اسْتَجَابَ لَهُ " بِمَعْنَى أَجَابَ دُعَاءَهُ أَوْ سُؤَالَهُ فَمَعْنَى اسْتَطَاعَهُ أَطَاعَهُ أَيِ انْقَادَ لَهُ وَصَارَ فِي طَوْعِهِ أَوْ طَوْعًا لَهُ. وَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِي الْمَادَّتَيْنِ عَلَى أَشْهَرِ مَعَانِيهِمَا وَهُوَ الطَّلَبُ، وَلَكِنَّهُ طَلَبٌ دَخَلَ عَلَى فِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْمَحْذُوفِ، فَأَصْلُ اسْتَطَاعَ الشَّيْءَ طَلَبَ وَحَاوَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ طَوْعًا لَهُ فَأَطَاعَهُ وَانْقَادَ لَهُ، وَمَعْنَى اسْتَجَابَ: سُئِلَ شَيْئًا وَطُلِبَ مِنْهُ أَنْ يُجِيبَ إِلَيْهِ فَأَجَابَ; فَبِهَذَا الشَّرْحِ الدَّقِيقِ تَفْهَمُ صِحَّةَ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ (يَسْتَطِيعُ) هُنَا بِمَعْنَى يُطِيعُ، وَأَنَّ مَعْنَى يُطِيعُ يَفْعَلُ مُخْتَارًا رَاضِيًا غَيْرَ كَارِهٍ
فَصَارَ حَاصِلَ مَعْنَى الْجُمْلَةِ " هَلْ يَرْضَى رَبُّكَ وَيَخْتَارُ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ إِذَا نَحْنُ سَأَلْنَاهُ أَوْ سَأَلْتَهُ لَنَا ذَلِكَ؟ " وَالْمَائِدَةُ فِي اللُّغَةِ الْخِوَانُ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ طَعَامٌ لَا يُسَمَّى مَائِدَةً، وَقَدْ يُطْلَقُ لَفْظُ الْمَائِدَةِ عَلَى الطَّعَامِ نَفْسِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ، وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مَنْ مَادَ بِمَعْنَى مَالَ وَتَحَرَّكَ أَوْ مِنْ مَادَ أَهْلَهُ بِمَعْنَى نَعَشَهُمْ وَقَوْلُهُ: وَكُنْتُ لِلْمُنْتَجِعِينَ مَائِدًا كَمَا فِي الْأَسَاسِ أَيْ أَعَاشَهُمْ وَسَدَّ فَقْرَهُمْ كَأَنَّهَا هِيَ تَمِيدُ مَنْ يَجْلِسُ إِلَيْهَا وَيَأْكُلُ مِنْهَا بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ عَلَى حَدِّ: عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ.
(قَالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أَيْ قَالَ عِيسَى لَهُمُ اتُّقُوا اللهَ أَنْ تَقْتَرِحُوا عَلَيْهِ أَمْثَالَ هَذِهِ الِاقْتِرَاحَاتِ الَّتِي كَانَ سَلَفُكُمْ يَقْتَرِحُهَا عَلَى مُوسَى لِئَلَّا تَكُونَ فِتْنَةً لَكُمْ، فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ أَلَّا يُجَرِّبَ رَبَّهُ بِاقْتِرَاحِ الْآيَاتِ، أَوْ أَنْ يَعْمَلَ وَيَكْسِبَ وَلَا يَطْلُبَ مِنْ رَبِّهِ أَنْ يَعِيشَ بِخَوَارِقِ الْعَادَاتِ، وَعَلَى غَيْرِ السُّنَنِ الَّتِي جَرَتْ عَلَيْهَا مَعَايِشُ النَّاسِ، أَوِ الْمَعْنَى اتَّقُوا اللهَ وَقُومُوا

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 210
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست