responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 17
الزَّوَاجِ الْبَتَّةَ، وَإِمَّا فِي أَوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ كَأَنْوَاعِ الصِّيَامِ الَّتِي ابْتَدَعُوهَا، وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذَا الظَّنَّ، وَقَطَعَ طَرِيقَ تِلْكَ الرَّغْبَةِ بِقَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا) أَيْ لَا تُحَرِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ الْمُسْتَلَذَّةِ بِأَنْ تَتَعَمَّدُوا تَرْكَ التَّمَتُّعِ بِهَا تَنَسُّكًا وَتَقَرُّبًا إِلَيْهِ تَعَالَى، وَلَا تَعْتَدُوا فِيهَا بِتَجَاوُزِ حَدِّ الِاعْتِدَالِ إِلَى الْإِسْرَافِ الضَّارِّ بِالْجَسَدِ، كَالزِّيَادَةِ عَلَى الشِّبَعِ وَالرَّيِّ فَهُوَ تَفْرِيطٌ، أَوْ تَجَاوُزُ الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ النَّفْسِيَّةِ، كَجَعْلِ التَّمَتُّعِ بِلَذَّاتِهَا أَكْبَرَ هَمِّكُمْ، أَوْ شَاغِلًا لَكُمْ عَنْ مَعَانِي الْأُمُورِ مِنَ الْعُلُومِ وَالْأَعْمَالِ النَّافِعَةِ لَكُمْ وَلِأُمَّتِكُمْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (7: 31) أَوْ وَلَا تَعْتَدُوهَا هِيَ أَيِ الطَّيِّبَاتِ الْمُحَلَّلَةِ، بِتَجَاوُزِهَا إِلَى الْخَبَائِثِ الْمُحَرَّمَةِ، فَالِاعْتِدَاءُ يَشْمَلُ الْأَمْرَيْنِ: الِاعْتِدَاءُ فِي الشَّيْءِ نَفْسِهِ، وَاعْتِدَاءٌ هُوَ يَتَجَاوَزُهُ إِلَى غَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ، وَقَدْ
حَذَفَ الْمَفْعُولَ فِي الْآيَةِ فَلَمْ يَقُلْ فَلَا تَعْتَدُوا فِيهَا أَوْ فَلَا تَعْتَدُوهَا كَمَا قَالَ: (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا) (2: 229) لِيَشْمَلَ الْأَمْرَيْنِ، اعْتِدَاءُ الطَّيِّبَاتِ نَفْسِهَا إِلَى الْخَبَائِثِ، وَالِاعْتِدَاءُ فِيهَا بِالْإِسْرَافِ، لِأَنَّ حَذْفَ الْمَعْمُولِ يُفِيدُ الْعُمُومَ، ثُمَّ عَلَّلَ النَّهْيَ بِمَا يُنَفِّرُ عَنْهُ فَقَالَ:.
(إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) الَّذِينَ يَتَجَاوَزُونَ حُدُودَ شَرِيعَتِهِ، وَسُنَنِ فِطْرَتِهِ وَلَوْ بِقَصْدِ عِبَادَتِهِ، وَتَحْرِيمُ الطَّيِّبَاتُ الْمُحَلَّلَةُ قَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ، مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ بِيَمِينٍ وَلَا نَذْرٍ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْتِزَامٍ وَكَلَاهُمَا غَيْرُ جَائِزٍ، وَالِالْتِزَامُ قَدْ يَكُونُ لِأَجْلِ رِيَاضَةِ النَّفْسِ وَتَهْذِيبِهَا بِالْحِرْمَانِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، وَقَدْ يَكُونُ لِإِرْضَاءِ بَادِرَةِ غَضَبٍ، بِإِغَاظَةِ زَوْجَةٍ أَوْ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ، كَمَنْ يَحْلِفُ بِاللهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ (وَمِثْلُهُ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ) أَوْ يَلْتَزِمُ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْحَلِفِ وَالنَّذْرِ مِنَ الْمُؤَكَّدَاتِ، وَمِنْ هَذَا الصِّنْفِ مَنْ يَقُولُ: إِنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ بَرِيءٌ مِنَ الْإِسْلَامِ، أَوْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ يُحَرِّمُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَفِي الْأَيْمَانِ وَكَفَّارَتِهَا خِلَافٌ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
وَأَمَّا تَرْكُ الطَّيِّبَاتِ الْبَتَّةَ كَمَا تُتْرَكُ الْمُحَرَّمَاتُ وَلَوْ بِغَيْرِ نَذْرٍ وَلَا يَمِينٍ تَنَسُّكًا وَتَعَبُّدًا لِلَّهِ تَعَالَى بِتَعْذِيبِ النَّفْسِ وَحِرْمَانِهَا، فَهُوَ مَحَلُّ شُبْهَةٍ فُتِنَ بِهَا كَثِيرٌ مِنَ الْعُبَّادِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ، فَكَانَ مِنْ بِدَعِهِمُ التَّرْكِيَّةِ، الَّتِي تُضَاهِي بِدَعَهُمُ الْعَمَلِيَّةَ، وَقَدِ اتَّبَعُوا فِيهَا سُنَنَ مَنْ قَبْلَهُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ; كَعِبَادَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَرُهْبَانِ النَّصَارَى، وَهَؤُلَاءِ أَخَذُوهَا عَنْ بَعْضِ الْوَثَنِيِّينَ; كَالْبَرَاهِمَةِ الَّذِينَ يُحَرِّمُونَ جَمِيعَ اللُّحُومِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ النَّفْسَ لَا تَزْكُو وَلَا تَكْمُلُ إِلَّا بِحِرْمَانِ الْجَسَدِ مِنَ اللَّذَّاتِ، وَقَهْرِ الْإِرَادَةِ بِمَشَاقِّ الرِّيَاضَاتِ، وَكَانُوا يُحَرِّمُونَ الزِّينَةَ كَمَا يُحَرِّمُونَ النِّعْمَةَ، فَيَعِيشُونَ عُرَاةَ الْأَجْسَامِ وَلَا يَسْتَعْلِمُونَ الْأَوَانِيَ لِأَطْعِمَتِهِمْ;

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 17
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست