responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 153
إِلَّا الرُّزُّ وَلَا نَقْدَ لَهُمْ مِنَ النُّحَاسِ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُمُ الرِّبَا فِي نَقْدِهِمْ وَقُوتِهِمْ، وَهَذَا يُنَافِي حِكْمَةَ الشَّارِعِ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ وَهُوَ غُلُوٌّ فِي الْإِبَاحَةِ. وَيُقَابِلُهُ الْغُلُوُّ فِي الْحَظْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْقَائِلِينَ بِجَرَيَانِ الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ. وَالْمَذْهَبُ الْوَسَطُ: أَنَّ الْأَجْنَاسَ السِّتَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ كَانَتْ وَلَا تَزَالُ مِعْيَارَ الْأَثْمَانِ وَأُصُولِ الْأَقْوَاتِ لِأَكْثَرِ الْبَشَرِ، فَكَانَ رِبَا النَّسِيئَةِ فِيهَا وَهُوَ الَّذِي يَتَضَاعَفُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً مُضِرًّا بِهِمْ ضَرَرًا بَلِيغًا، فَكَانَ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالْمُصْلِحَةِ تَحْرِيمُهُ أَشَدَّ التَّحْرِيمِ وَجَعْلُهُ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَتَحْرِيمُ مَا كَانَ ذَرِيعَةً لَهُ تَحْرِيمَ الصَّغَائِرِ. فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ فِي نَقْدٍ آخَرَ غَيْرَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقُوتٍ آخَرَ غَيْرَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْبَلَحِ صَحَّ قِيَاسُهُمَا عَلَى الْأَجْنَاسِ السِّتَّةِ لِحُلُولِهِمَا مَحَلَّهَا، وَانْطِبَاقِ حِكْمَةِ التَّشْرِيعِ عَلَى ذَلِكَ.
(فِإِنْ قِيلَ) : إِنَّ الْمُعْتَدِلِينَ فِي الْقِيَاسِ مِنْ أَهْلِ الْأَثَرِ لَا يَعْتَدُّونَ إِلَّا بِالْعِلَّةِ الثَّابِتَةِ عَنِ الشَّارِعِ بِالنَّصِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ: (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) (6: 145) أَيْ خَبِيثٌ مُسْتَقْذَرٌ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) (7: 157) وَلَا نَصَّ عَلَى عِلَّةِ الرِّبَا (قُلْنَا) : إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِالنَّصِّ هُنَا مَا ثَبَتَ بِالْمَنْطُوقِ أَوِ الْمَفْهُومِ أَوِ الْقَرِينَةِ الْوَاضِحَةِ، كَفَحْوَى الْخِطَابِ وَلَحْنِهِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ، فَمِنْهُ مَا يَكُونُ مَعْلُومًا مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ بِالضَّرُورَةِ أَوِ الْبَدَاهَةِ، أَوْ بِضَرْبٍ مِنْ ضُرُوبِ الدَّلَائِلِ اللَّفْظِيَّةِ كَتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْمُشْتَقِّ كَالزَّانِي وَالسَّارِقِ. وَالْأَجْنَاسُ السِّتَّةُ الَّتِي وَرَدَ الْحَدِيثُ بِجَرَيَانِ الرِّبَا فِيهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَإِنَّ تَخْصِيصَهَا بِالذِّكْرِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِمَعْنًى فِيهَا اقْتَضَاهُ، وَإِلَّا كَانَ لَغْوًا أَوْ عَبَثًا يَتَنَزَّهُ عَنْهُ الْعُقَلَاءُ، فَكَيْفَ يَصْدُرُ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ؟ ! وَلَيْسَ فِيهَا مَعْنًى تَمْتَازُ بِهِ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْمَعَادِنِ وَالْأَطْعِمَةِ إِلَّا كَوْنَهَا تَقُودُ النَّاسَ الَّتِي هِيَ مِعْيَارُ مُعَامَلَاتِهِمْ وَمُبَادَلَاتِهِمْ، وَأَغْذِيَتِهِمِ الرَّئِيسِيَّةِ وَأُصُولِ أَقْوَاتِهِمْ، وَأَمَّا كَوْنُهَا تُوزَنُ أَوْ تُكَالُ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِهَا الْعَامَّةِ، كَكَوْنِهَا تُنْقَلُ وَتُحْمَلُ وَتُنْظَرُ وَتُلْمَسُ
وَتُبَاعُ وَتُشْتَرَى، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ مَقْصُودَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَا عَبَّرَ عَنِ الْكَثِيرِ الَّذِي لَا يُحْصَرُ بِبَعْضِ أَفْرَادِهِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لِعِلَّتِهِ، بَلْ كَانَ الْبَيَانُ الصَّحِيحُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا يُفْهَمُ بِهِ الْمُرَادُ مِنَ التَّعْبِيرِ، كَأَنْ يَقُولَ: كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَحُكْمُهُ كَذَا، وَمَا قَرَّرْنَاهُ وَاضِحٌ جِدًّا وَإِنْ خَفِيَ عَلَى بَعْضِ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ. فَقَدْ رَأَيْتُ أَنَّ أَكَابِرَ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانُوا أَوْسَعَ عِلْمًا وَفَهْمًا لِلنُّصُوصِ مِنْ أُولَئِكَ الْفُقَهَاءِ بِشَهَادَةِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ كُلِّهِمْ قَدْ خَفِيَ عَلَى بَعْضِهِمْ مَا هُوَ مِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْوُضُوحِ أَوْ أَشَدُّ. وَالْبَشَرُ عُرْضَةٌ لِلْغَفْلَةِ وَالذُّهُولِ، وَإِنَّ مَنْ أَنْهَضَ الْحُجَجَ عَلَى بُطْلَانِ الْتِزَامِ تَقْلِيدِ فَرْدٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَا ظَهَرَ كَالشَّمْسِ مِنْ خَطَأِ أَكَابِرِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، إِمَّا بِمُخَالَفَةِ النَّصِّ الصَّرِيحِ، وَإِمَّا بِتَنَكُّبِ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ.
وَلَمْ أَرَ مَثَلًا لِجَعْلِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ عِلَّةً لِلرِّبَا أَظْهَرَ مِنْ جَعْلِ " الدُّخُولِ فِي جَوْفٍ " عِلَّةً

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 153
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست