responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 127
فَيَحْتَاجُ أَنْ يُجِيبَهُ بِالْمَنْعِ، وَيُقَيِّدَ ذَلِكَ. إِنْ ثَبَتَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَرَّمَ، وَإِنْ تَرَدَّدَ كَرِهَ أَوْ كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَلَوْ سَكَتَ السَّائِلُ عَنْ هَذَا التَّنَطُّعِ لَمْ يَزِدِ الْمُفْتِي عَلَى جَوَابِهِ بِالْجَوَازِ.
" وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمَنْ يَسُدُّ بَابَ الْمَسَائِلِ حَتَّى يَفُوتَهُ مَعْرِفَةُ كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَكْثُرُ وُقُوعُهَا، فَإِنَّهُ يَقِلُّ فَهْمُهُ وَعِلْمُهُ، وَمَنْ تَوَسَّعَ فِي تَفْرِيعِ الْمَسَائِلِ وَتَوْلِيدِهَا وَلَا سِيَّمَا فِيمَا يَقِلُّ وُقُوعُهُ أَوْ يَنْدُرُ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ الْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ الْمُبَاهَاةَ وَالْمُغَالَبَةَ فَإِنَّهُ يُذَمُّ فِعْلُهُ، وَهُوَ عَيْنُ الَّذِي كَرِهَهُ السَّلَفُ.
" وَمَنْ أَمْعَنَ فِي الْبَحْثِ عَنْ مَعَانِي كِتَابِ اللهِ مُحَافِظًا عَلَى مَا جَاءَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ، وَحَصَلَ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ مَنْطُوقِهِ وَمَفْهُومِهِ، وَعَنْ مَعَانِي السُّنَّةِ وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، مُقْتَصِرًا عَلَى مَا يَصْلُحُ لِلْحُجَّةِ مِنْهَا، فَإِنَّهُ الَّذِي يُحْمَدُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ.
" وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ عَمَلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِنَ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ حَتَّى حَدَّثَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَعَارَضَتْهَا الطَّائِفَةُ الْأُولَى، فَكَثُرَ بَيْنَهُمُ الْمِرَاءُ وَالْجِدَالُ وَتَوَلَّدَتِ الْبَغْضَاءُ وَتَسَمُّوا خُصُومًا وَهُمْ مِنْ أَهْلِ دِينٍ وَاحِدٍ، وَالْوَسَطُ هُوَ الْمُعْتَدِلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي " فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ " فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ يَجُرُّ إِلَى عَدَمِ الِانْقِيَادِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ حَيْثُ تَقْسِيمُ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ.
وَأَمَّا الْعَمَلُ بِمَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّشَاغُلِ بِهِ فَقَدْ وَقَعَ الْكَلَامُ فِي أَيِّهِمَا أَوْلَى. وَالْإِنْصَافُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مَا زَادَ عَلَى مَا هُوَ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ فَرْضُ عَيْنٍ، فَالنَّاسُ فِيهِ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ قُوَّةً عَلَى الْفَهْمِ وَالتَّحْرِيرِ، فَتَشَاغُلُهُ بِذَلِكَ
أَوْلَى مِنْ إِعْرَاضِهِ عَنْهُ، وَتَشَاغُلُهُ بِالْعِبَادَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ الْمُتَعَدَّى، وَمَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ قُصُورًا، فَإِقْبَالُهُ عَلَى الْعِبَادَةِ أَوْلَى ; لِعُسْرِ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَوْ تَرَكَ الْعِلْمَ، لَأَوْشَكَ أَنْ يُضَيِّعَ بَعْضَ الْأَحْكَامِ بِإِعْرَاضِهِ. وَالثَّانِي لَوْ أَقْبَلَ عَلَى الْعِلْمِ وَتَرَكَ الْعِبَادَةَ فَاتَهُ الْأَمْرَانِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْأَوَّلِ لَهُ وَإِعْرَاضِهِ بِهِ عَنِ الثَّانِي وَاللهُ الْمُوَفِّقُ " انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ.
أَقُولُ: لِلَّهِ دَرُّ الْحَافِظِ، فَإِنَّهُ أَتَى بِخُلَاصَةِ الْآثَارِ وَصَفْوَةِ مَا فَسَّرَهَا بِهِ أَهْلُ التَّحْقِيقِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَوْلَا عُمُومُ افْتِتَانِ الْجَمَاهِيرِ بِالْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ الْمَلْأَى بِمَا ذَكَرَ مِنَ الْفُرُوعِ الَّتِي نَهَى الشَّرْعُ عَنِ الْخَوْضِ فِي مِثْلِهَا، وَأَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى ذَمِّ الِاشْتِغَالِ بِهَا لَاكْتَفَيْنَا بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمَا حَرَّرَهُ الْحَافِظُ فِي الشَّرْحِ، وَقُلْنَا فِيهِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّوْكَانِيُّ: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ جُمُودِ الْجَمَاهِيرِ عَلَى التَّقْلِيدِ، لَا يُزَلْزِلُهُ هَذَا الْقَوْلُ الْوَجِيزُ الْمُخْتَصَرُ الْمُفِيدُ، فَلَا بُدَّ إِذًا مِنْ تَفْصِيلِ الْقَوْلِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ، الَّتِي هِيَ مَنْشَأُ كُلِّ هَذَا الْبَلَاءِ فِي النَّاسِ، وَهَاكَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ حَزْمٍ فِي مَسَائِلِ الْأُصُولِ مِنْ مُقَدِّمَةِ الْمُحَلَّى:

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 127
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست