responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 120
تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَتَيْنِ، وَسَنُورِدُ قَرِيبًا أَحَادِيثَ أُخْرَى وَآثَارًا فِي مَعْنَى مَا أَوْرَدْنَاهُ فِي سِيَاقِ تَفْسِيرِهِمَا.
(8) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الَّذِي تَقَدَّمَ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَذُمُّونَ الْإِحْدَاثَ وَالِابْتِدَاعَ،
وَيُوصُونَ بِالِاعْتِصَامِ وَالِاتِّبَاعِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الرَّأْيِ وَالْقِيَامِ فِي الدِّينِ، وَيَتَدَافَعُونَ الْفَتْوَى وَيَتَحَامَوْنَهَا وَلَا سِيَّمَا إِذَا سُئِلُوا عَمَّا لَمْ يَقَعْ، وَلَكِنْ بَعْضُ الَّذِينَ انْقَطَعُوا لِعِلْمِ الشَّرِيعَةِ فَتَحُوا بَابَ الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ فِيهَا، وَأَكْثَرُوا مِنَ اسْتِنْبَاطِ الْفُرُوعِ الْكَثِيرَةِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ جَمِيعًا، فَجَاءَ بَعْضُ الْفُرُوعِ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ الْقَوْلِيَّةِ أَوِ الْعَمَلِيَّةِ مُخَالَفَةً بَيِّنَةً، وَبَعْضُهَا غَيْرُ مُوَافِقٍ وَلَا مُخَالِفٍ، إِلَّا أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيمَا عَفَا اللهُ عَنْهُ فَسَكَتَ عَنْ بَيَانِهِ رَحْمَةً لَا نِسْيَانًا كَمَا وَرَدَ، وَقَدْ وَضَعُوا لِلِاسْتِنْبَاطِ أُصُولًا وَقَوَاعِدَ مِنْهَا الصَّحِيحُ الَّذِي تَقُومُ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ، وَمِنْهَا مَا لَا تَقُومُ عَلَيْهِ حُجَّةٌ أَلْبَتَّةَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ تِلْكَ الْأُصُولَ وَالْقَوَاعِدَ فِي اسْتِنْبَاطِهِ لِلْأَحْكَامِ، وَقَوْلِهِ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ، وَذَهَبُوا فِي ذَلِكَ مَذَاهِبَ بَدَدًا، وَسَلَكُوا إِلَيْهِ طَرَائِقَ قِدَدًا، فَكَثُرَتِ التَّكَالِيفُ حَتَّى تَعَسَّرَ تَعَلُّمُهَا، فَمَا الْقَوْلُ فِي عُسْرِ الْعَمَلِ بِهَا؟ فَتَسَلَّلَ مِنْهَا الْأَفْرَادُ وَالْجَمَاعَاتُ، وَنَقَصَتْ مِنْ عَقْلِهَا الْحُكُومَاتُ، وَكَثُرَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِهَا الشُّبَهَاتُ، وَكَانَتْ فِي طَرِيقِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ أَصْعَبُ الْعَقَبَاتِ، وَلَوْ سَلَكَ الْمُتَأَخِّرُونَ طَرِيقَ السَّلَفِ حَتَّى أَئِمَّةِ أَهْلِ الرَّأْيِ مِنْهُمْ فِي مَنْعِ التَّقْلِيدِ وَالرُّجُوعِ إِلَى صَحِيحِ الْمَأْثُورِ، وَرَدِّ الْمُتَنَازِعِ فِيهِ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ لَمَا وَصَلْنَا إِلَى هَذَا الْحَدِّ الَّذِي وَصَفْنَاهُ.
(9) إِنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ تَوْحِيدٍ وَاجْتِمَاعٍ، وَقَدْ نَهَى أَشَدَّ النَّهْيِ عَنِ التَّفْرِيقِ وَالِاخْتِلَافِ قَالَ تَعَالَى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (3: 103) وَقَالَ: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) (3: 105) وَقَالَ: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (6: 159) وَقَالَ: (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (30: 31، 32) وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ النُّصُوصُ مِنَ الْكِتَابِ وَأَمْثَالِهَا مِنْهُ وَمِنَ السُّنَّةِ بِرَادِعَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ عَنِ التَّفَرُّقِ، وَمَا كَانَ التَّفَرُّقُ إِلَّا مِنَ الرَّأْيِ الَّذِي اتَّبَعُوا فِيهِ سُنَنَ مَنْ قَبْلَهُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى دَخَلُوا جُحْرَ الضَّبِّ الَّذِي دَخَلُوهُ قَبْلَهُمْ، مِصْدَاقًا لِلْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَمْ يَزَلْ أَمْرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُعْتَدِلًا حَتَّى نَشَأَ فِيهِمُ الْمُوَلِّدُونَ وَأَبْنَاءُ سَبَايَا الْأُمَمِ الَّتِي كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسْبِيهَا فَقَالُوا بِالرَّأْي فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا " وَقَدْ عَلِمَ عَلَيْهِ السُّيُوطِيُّ بِالْحُسْنِ، وَنَقَلَ هَذَا الْمَعْنَى غَيْرَ
مَرْفُوعٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ عَامَّةً، كَمَا رَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 120
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست