responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 118
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا ذِكْرَ لَهَا فِي الْقُرْآنِ، هَلْ هِيَ مِنْ رَأْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجْتِهَادِهِ فِيهِ؟ أَمْ بِوَحْيٍ آخَرَ غَيْرِ الْقُرْآنِ؟ أَمْ أَذِنَ اللهُ لَهُ بِاسْتِئْنَافِ التَّشْرِيعِ؟ وَالْخِلَافُ مَشْهُورٌ، وَرَجَّحَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: (بَابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ بِمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَيَقُولُ: " لَا أَدْرِي " أَوْ لَمْ يُجِبْ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، وَلَمْ يَقُلْ بِرَأْيٍ وَلَا قِيَاسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (بِمَا أَرَاكَ اللهُ) (4: 105) وَيَلِيهِ فِي (بِابِ تَعْلِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ لَيْسَ بِرَأْيٍ وَلَا تَمْثِيلٍ) .
وَنَقُولُ: لَا يَتَّجِهُ الْخِلَافُ إِلَّا فِي الْأَحْكَامِ الدِّينِيَّةِ الْمَحْضَةِ، وَأَمَّا الْمَصَالِحُ الْمَدَنِيَّةُ وَالسِّيَاسِيَّةُ وَالْحَرْبِيَّةُ فَقَدْ أُمِرَ بِالْمُشَاوَرَةِ فِيهَا، وَكَانَ يَرَى الرَّأْيَ فَيَرْجِعُ عَنْهُ لِرَأْيِ أَصْحَابِهِ، وَعَاتَبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى بَعْضِ الْأَعْمَالِ الَّتِي عَمِلَهَا بِرَأْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ
فِي غَزَوَاتِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَتَبُوكَ، وَلَا يَتَأَتَّى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ بِوَحْيٍ.
(4) الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ مِنَ الْخَطَأِ فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِيمَا بَيَّنَهُ لِلنَّاسِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ تَلْقِيحِ النَّخْلِ حِينَ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ فَتَرَكَهُ بَعْضُهُمْ لِظَنِّهِ فَخَسِرَ مَوْسِمَهُ: " إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثَتْكُمْ عَنِ اللهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ، فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ " وَقَالَ أَيْضًا: " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيٍ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ " وَقَالَ أَيْضًا: " أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(5) إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ فَوَّضَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ أُمُورَ دُنْيَاهُمُ الْفَرْدِيَّةَ وَالْمُشْتَرِكَةَ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ، بِشَرْطِ أَلَّا تَجْنِيَ دُنْيَاهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَهَدْيِ شَرِيعَتِهِمْ فَجَعَلَ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةَ بِمِثْلِ قَوْلِهِ: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) (2: 29) وَقَوْلِهِ: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ) (45: 13) وَجَعَلَ أُمُورَ سِيَاسَةِ الْأُمَّةِ وَحُكُومَتِهَا شُورَى، إِذْ قَالَ فِي وَصْفِ الْمُؤْمِنِينَ: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (42: 38) وَأَمَرَ بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ وَهُمْ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَرِجَالُ الشُّورَى بِالتَّبَعِ لِطَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَأَرْشَدَ إِلَى رَدِّ أُمُورِ الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالسِّيَاسَةِ وَالْحَرْبِ وَالْإِدَارَةِ إِلَى رَسُولِ اللهِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ رَاجِعْ تَفْسِيرَ: (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (4: 59) وَتَفْسِيرَ: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (4: 83)

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 118
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست