responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 116
عَنْهُ فِي كِتَابِهِ وَعَدَمِ تَكْلِيفِكُمْ إِيَّاهُ فَاسْكُتُوا عَنْهُ أَيْضًا، وَأَيَّدُوا هَذَا الْقَوْلَ بِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ إِذْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهَا " وَالْجُمْلَةُ عَلَى هَذَا صِفَةٌ لِأَشْيَاءَ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ، أَوْ هِيَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ يَتَضَمَّنُ تَعْلِيلَ النَّهْيِ، وَهُوَ يُنَاسِبُ كَوْنَ النَّهْيِ عَنِ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّشْرِيعِ.
(ثَانِيهُمَا) : أَنَّ مَعْنَاهُ عَفَا اللهُ عَمَّا كَانَ مِنْ مَسْأَلَتِكُمْ قَبْلَ النَّهْيِ فَلَا يُعَاقِبُكُمْ عَلَيْهَا لِسَعَةِ مَغْفِرَتِهِ وَحِلْمِهِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ فِيمَا يُشَابِهُ هَذَا السِّيَاقَ: (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) (5: 95) وَقَوْلِهِ: (إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) (4: 22، 23) وَلَا مَانِعَ عِنْدَنَا يَمْنَعُنَا مِنْ إِرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا، فَإِنَّ كُلَّ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَاتُ الْقُرْآنِ مِنَ الْمَعَانِي الْحَقِيقِيَّةِ وَالْمَجَازِيَّةِ وَالْكِنَائِيَّةِ يَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ مُرَادًا مِنْهَا مُجْتَمِعَةً تِلْكَ الْمَعَانِي أَوْ مُنْفَرِدَةً مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ، كَأَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَعَانِي مِمَّا لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهَا شَرْعًا أَوْ عَقْلًا، فَحِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا مُرَادَةً بَلْ يُرَجَّحُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِطُرُقِ التَّرْجِيحِ مِنْ لَفْظِيَّةٍ وَمَعْنَوِيَّةٍ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ) أَيْ قَدْ سَأَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَيْ هَذَا النَّوْعَ مِنْهَا أَوْ هَذِهِ الْمَسَائِلَ أَيْ أَمْثَالَهَا قَوْمٌ مَنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بَعْدَ إِبْدَائِهَا لَهُمْ كَافِرِينَ بِهَا، فَإِنَّ الَّذِينَ أَكْثَرُوا السُّؤَالَ عَنِ الْأَحْكَامِ التَّشْرِيعِيَّةِ مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ لَمْ يَعْمَلُوا بِمَا بُيِّنَ لَهُمْ مِنْهَا بَلْ فَسَقَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، وَتَرَكُوا شَرْعَهُ لِاسْتِثْقَالِهِمُ الْعَمَلَ بِهِ، وَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى اسْتِنْكَارِهِ وَاسْتِقْبَاحِهِ أَوْ إِلَى جُحُودِ كَوْنِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْكُفْرِ بِهِ، وَالَّذِينَ سَأَلُوا الْآيَاتِ كَقَوْمِ صَالِحٍ لَمْ يُؤْمِنُوا بَعْدَ إِعْطَائِهِمْ إِيَّاهَا بَلْ كَفَرُوا وَاسْتَحَقُّوا الْهَلَاكَ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، وَالْأَخْبَارُ الْغَيْبِيَّةُ كَالْآيَاتِ أَوْ مِنْهَا، وَقَدِ اقْتَصَرَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى تَفْسِيرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي سَأَلُوهَا وَكَفَرُوا بِهَا بِالْآيَاتِ الَّتِي يُؤَيِّدُ اللهُ بِهَا
الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ قَرَّرْنَاهُمَا آنِفًا وَاسْتَشْهَدَ لِلْأَوَّلِ بِمَسْأَلَةِ السُّؤَالِ عَنِ الْحَجِّ لَا بُدَّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِتَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ تَتِمَّةً لِمَا قَبْلَهَا وَبَيَانًا لِسَبَبِ ذَلِكَ النَّهْيِ الْجَامِعِ لِلْمَعْنَيَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ السُّؤَالِ عَنِ الْحَجِّ مِنْ كَوْنِ فَرْضِهِ كُلَّ عَامٍ يُفْضِي إِلَى الْكُفْرِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ بِالْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَا وَبَيَّنَاهُ وَلَمْ نَرَ أَحَدًا سَبَقَنَا إِلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ مِمَّا لَمْ نَرَهُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ.
وَالْعِبْرَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْفُقَهَاءِ وَسَّعُوا بِأَقْيِسَتِهِمْ دَائِرَةَ التَّكَالِيفِ وَانْتَهَوْا بِهَا إِلَى الْعُسْرِ وَالْحَرَجِ الْمَرْفُوعِ بِالنَّصِّ الْقَاطِعِ، فَأَفْضَى ذَلِكَ إِلَى تَرْكِ كَثِيرٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكُومَاتِهِمْ لِلشَّرِيعَةِ بِجُمْلَتِهَا، وَفَتَحَ لَهُمْ أَبْوَابَ انْتِقَادِهَا وَالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا، فَاتَّبَعُوا بِذَلِكَ سُنَنَ مَنْ قَبْلَهُمْ، وَلَا بُدَّ لَنَا مِنْ عَقْدِ فَصْلٍ خَاصٍّ فِي تَفْصِيلِ هَذَا الْبَحْثِ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 116
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست