responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 66
يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ قَالَ الرَّاغِبُ: التَّحْرِيضُ: الْحَثُّ عَلَى الشَّيْءِ بِكَثْرَةِ التَّنْزِيلِ وَتَسْهِيلِ الْخَطْبِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ إِزَالَةُ الْحَرَضِ فِي نَحْوِ مَرَّضْتُهُ وَقَذَّيْتُهُ، أَيْ أَزَلْتُ عَنْهُ الْمَرَضَ وَالْقَذَى اهـ. وَالْحَرَضُ بِالتَّحْرِيكِ الْمُشْفِي، أَيِ
الْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَاكِ. وَيُطْلَقُ عَلَى مَا لَا خَيْرَ فِيهِ، وَمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَهُوَ مَجَازٌ كَمَا فِي الْأَسَاسِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: التَّحْرِيضُ فِي اللُّغَةِ أَنْ يَحُثَّ الْإِنْسَانَ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ مُقَارِبٌ لِلْهَلَاكِ - أَيْ إِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ.
وَالْمَعْنَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ، وَرَغِّبْهُمْ فِيهِ لِدَفْعِ عُدْوَانِ الْكُفَّارِ، وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَأَهْلِهَا، عَلَى كَلِمَةِ الْبَاطِلِ وَالظُّلْمِ وَأَنْصَارِهِمَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ، وَسُنَّةُ التَّنَازُعِ فِي الْحَيَاةِ وَالسِّيَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا السِّيَاقِ، وَيُشِيرُ إِلَيْهِ هُنَا اخْتِيَارُ التَّحْرِيضِ عَلَى مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ الْعَامِّ كَالتَّحْضِيضِ وَالْحَثِّ كَأَنَّهُ يَقُولُ: حُثَّهُمْ عَلَى مَا يَقِيهِمْ أَنْ يَكُونُوا حَرَضًا أَوْ يَكُونُوا مِنَ الْهَالِكِينَ بِعُدْوَانِ الْكَافِرِينَ عَلَيْهِمْ، وَظُلْمِهِمْ لَهُمْ إِذَا رَأَوْهُمْ ضُعَفَاءَ مُسْتَسْلِمِينَ.
ثُمَّ قَالَ: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَذَا شَرْطٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، فَهُوَ خَبَرٌ يُرَادُ بِهِ الْإِنْشَاءَ بِدَلِيلِ التَّخْفِيفِ فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ، وَكَوْنِ الْمَقَامِ مَقَامَ التَّشْرِيعِ لَا الْإِخْبَارِ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ عَلَيْهِ بِعَدَمِ مُطَابَقَةِ الْخَبَرِ لِلْوَاقِعِ فَفِيهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ مُطَابَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ عِنْدَ اسْتِكْمَالِ شُرُوطِهِ فِي دَرَجَتِي الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ. وَمَعْنَى اللَّفْظِ الْخَبَرِيِّ: إِنْ يُوجَدْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا بِتَأْثِيرِ إِيمَانِهِمْ وَصَبْرِهِمْ وَفِقْهِهِمْ مِائَتَيْنِ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُجَرَّدِينَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ، وَهَلْ هُمُ الَّذِينَ تَقَدَّمَ وَصْفُهُمْ فِي الْآيَتَيْنِ (55 و56) مِنْ هَذَا السِّيَاقِ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي إِعَادَةِ الْمَعْرِفَةِ؟ أَمْ بَعْدَ هَذَا سِيَاقًا آخَرَ فَيَعُمُّ نَصُّهُ كُلَّ الْكُفَّارِ الْمُتَّصِفِينَ بِمَا بَيَّنَهُ مِنْ سَبَبِ هَذَا الْغَلَبِ فِي مَنْطُوقِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ وَفِي مَفْهُومِ وَصْفِ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّابِرِينَ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي، وَالْمَعْنَى الْإِنْشَائِيُّ لَهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي حَالِ الْعَزِيمَةِ وَالْقُوَّةِ أَنْ يَكُونَ جَمَاعَةُ الْمُؤْمِنِينَ الصَّابِرِينَ أَرْجَحَ مِنَ الْكُفَّارِ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ الْعَشْرِيَّةِ سَوَاءٌ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا بِحَيْثُ يُؤْمَرُونَ بِقِتَالِهِمْ وَعَدَمِ الْفِرَارِ مِنْهُمْ إِذَا بَدَءُوهُمْ بِالْقِتَالِ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ النِّسْبَةَ بَيْنَ
الْعَشَرَاتِ مَعَ الْمِئَاتِ، وَبَيْنَ الْمِائَةِ مَعَ الْأَلْفِ وَهُوَ نِهَايَةُ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ عِنْدَ الْعَرَبِ. وَنُكْتَةُ إِيرَادِ هَذَا الْحُكْمِ بِلَفْظِ الْخَبَرِ، الْإِشَارَةُ إِلَى جَعْلِهِ بِشَارَةً بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الصَّابِرِينَ الْفُقَهَاءَ يَكُونُونَ كَذَلِكَ فِعْلًا، وَكَذَلِكَ كَانُوا، كَمَا تَرَى بَيَانَهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ التَّالِيَةِ.
وَمَعْنَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ هَذِهِ النِّسْبَةَ الْعَشْرِيَّةَ بَيْنَ الصَّابِرِينَ مِنْكُمْ وَبَيْنَهُمْ، بِسَبَبِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ مَا تَفْقَهُونَ مِنْ حِكْمَةِ الْحَرْبِ، وَمَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ وَسِيلَةً لَهُ مِنَ الْمَقَاصِدِ الْعَالِيَةِ فِي الْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ مِنْ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَرْضَاةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 66
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست