responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 57
عَلَى أَنْ يَتْرُكُوا الْكُفْرَ فِي قُلُوبِهِمْ وَبَوَاطِنِهِمْ وَيَصِيرُوا مُخْلِصِينَ فِي الْإِيمَانِ. (الثَّانِي) أَنَّ الْمُنَافِقَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَتَرَبَّصَ ظُهُورَ الْآفَاتِ، وَيَحْتَالَ فِي إِلْقَاءِ الْإِفْسَادِ وَالتَّفْرِيقِ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا شَاهَدَ كَوْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ خَافَهُمْ، وَتَرَكَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الْمَذْمُومَةَ اهـ. وَكُلُّ مَا قَالَهُ حَسَنٌ وَصَوَابٌ إِلَّا قَوْلُهُ بِتَرْكِ الْمُنَافِقِ لِلْكُفْرِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ إِلَخْ. فَفِيهِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ يُوَطِّنُ نَفْسَهُ عَلَى أَعْمَالِ الْإِسْلَامِ حَتَّى يُرْجَى أَنْ يَصِيرَ مُخْلِصًا بِظُهُورِ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ لَهُ بَعْدَ خَفَائِهَا عَنْهُ بِتَوَقُّعِهِ هَلَاكَ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالُوا: الْعِلْمُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَعْرِفَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ مِنَ الْبَسَائِطِ، أَيْ
لَا تَعْرِفُونَ ذَوَاتِهِمْ وَأَعْيَانَهُمْ. وَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ عَدَمِ إِسْنَادِ الْمَعْرِفَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى. أَوْ وَصْفُهُ بِهَا خَاصٌّ بِلَفْظِهَا، أَوْ بِمَا يُشْعِرُ بِمَا خَصُّوا بِهَا مَعْنَاهَا مِنْ كَوْنِهِ إِدْرَاكَ الشَّيْءِ بِتَفَكُّرٍ وَتَدَبُّرٍ لِأَثَرِهِ، كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ لَا تَعْلَمُونَهُمْ مُعَادِينَ لَكُمْ، وَيُعَلِّلُهُ مَنْ قَالَ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ بِأَنَّهُمْ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ وَأَتْقَنُوهُ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ مِنْهُمْ مَا يَفْضَحُهُمْ فِيهِ.
أَقُولُ: وَهَذَا التَّقْيِيدُ لِإِعْدَادِ الْمُسْتَطَاعِ مِنَ الْقُوَّةِ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ بِقَصْدِ إِرْهَابِ الْأَعْدَاءِ الْمُجَاهِرِينَ وَالْأَعْدَاءِ الْمُسْتَخْفِينَ وَغَيْرِ الْمَعْرُوفِينَ - وَمَنْ سَيَظْهَرُ مِنَ الْأَعْدَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ كَالْفُرْسِ وَالرُّومِ - دَلِيلٌ عَلَى تَفْضِيلِ جَعْلِهِ سَبَبًا لِمَنْعِ الْحَرْبِ عَلَى جَعْلِهِ سَبَبًا لِإِيقَاذِ نَارِهَا، فَهُوَ يَقُولُ: اسْتَعَدُّوا لَهَا لِيَرْهَبَكُمُ الْأَعْدَاءُ عَسَى أَنْ يَمْتَنِعُوا عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَى قِتَالِكُمْ، وَهَذَا عَيْنُ مَا يُسَمَّى فِي عُرْفِ دُوَلِ هَذِهِ الْأَيَّامِ بِالسَّلَامِ الْمُسَلَّحِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضَّعْفَ يُغْرِي الْأَقْوِيَاءَ بِالتَّعَدِّي عَلَى الضُّعَفَاءِ، وَلَكِنَّ الدُّوَلَ الِاسْتِعْمَارِيَّةَ تَدَّعِي هَذَا بِأَلْسِنَتِهَا وَهِيَ كَاذِبَةٌ فِي دَعْوَاهَا أَنَّهَا تَقْصِدُ بِالِاسْتِعْدَادِ لِلْحَرْبِ حِفْظَ السَّلْمِ الْعَامِّ، وَكَانَ يُظَنُّ أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ السَّلْمَ الْخَاصَّ بِدُوَلِ أُورُبَّةَ، وَأَنَّ الْحَرْبَ امْتُنِعَتْ مِنْهَا، فَأَبْطَلَتْ ذَلِكَ الظَّنَّ الْحَرْبُ الْعَامَّةُ الْأَخِيرَةُ الَّتِي كَانَتْ أَشَدَّ حُرُوبِ التَّارِيخِ أَهْوَالًا وَتَقْتِيلًا وَتَخْرِيبًا، وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَعَبُّدُ النَّاسِ بِهَذِهِ النُّصُوصِ تَعَبُّدًا، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى آيَةُ السَّلْمِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْآيَةَ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى حَضَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَلَى إِنْفَاقِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُعِينُ عَلَى الْقِتَالِ فَقَالَ: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ أَيْ: وَمَهْمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ نَقْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهَ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا فِي إِعْدَادِ الْمُسْتَطَاعِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالْمُرَابَطَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ يُعْطِكُمُ اللهُ جَزَاءَهُ وَافِيًا تَامًّا وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّكُمْ لَا تُنْقَصُونَ مِنْ جَزَائِهِ شَيْئًا، أَوْ لَا يَلْحَقُكُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ظُلْمٌ وَلَا اضْطِهَادٌ مِنْ أَعْدَائِكُمْ؛ لِأَنَّ الْقَوِيَّ الْمُسْتَعِدَّ لِمُقَاوَمَةِ الْمُعْتَدِينَ بِالْقُوَّةِ قَلَّمَا يَعْتَدِي عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَإِنِ اعْتَدَى عَلَيْهِ فَقَلَّمَا يَظْفَرُ بِهِ الْمُعْتَدِي وَيَنَالُ مِنْهُ مَا يُعَدُّ بِهِ ظَالِمًا لَهُ، فَأَنْتُمْ مَا ظُلِمْتُمْ بِإِخْرَاجِكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ
إِلَّا لِضَعْفِكُمْ، وَسَيَأْتِي التَّذْكِيرُ بِذَلِكَ الظُّلْمِ فِي بَيَانِ الْإِذْنِ الْأَوَّلِ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْقِتَالِ، فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إِعْدَادَ الْمُسْتَطَاعِ مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 57
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست