responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 492
فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ حَالٍ إِنْذَارٌ مُقَابِلٌ لِمَا ذَكَرَ مِنْ فَرَحِهِمْ بِالتَّخَلُّفِ، مُثْبِتٌ أَنَّهُ فَرَحٌ عَاقِبَتُهُ الْحُزْنُ وَالْكَآبَةُ وَالْخَيْبَةُ وَالنَّدَامَةُ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَفِي مَعْنَى الْآيَةِ قَوْلُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، بَلْ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا: يَظْهَرُ النِّفَاقُ وَتَرْتَفِعُ الْأَمَانَةُ، وَتُقْبَضُ الرَّحْمَةُ، وَيُتَّهَمُ الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ غَيْرُ الْأَمِينِ، أَنَاخَ بِكُمُ الشُّرُفُ الْجُونُ، الْفِتَنُ كَأَمْثَالِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ الشُّرُفُ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ شَارِفٍ وَهِيَ النَّاقَةُ الْعَالِيَةُ السِّنِّ، وَالْجُونُ السَّوْدَاءُ، أَيِ: الْفِتَنُ الْكَبِيرَةُ الْمُظْلِمَةُ، فَهُوَ تَشْبِيهٌ، وَرُوِيَ بِالْقَافِ أَيِ الَّتِي مِنْ قِبَلِ مَشْرِقِ الْمَدِينَةِ.
وَإِنَّمَا كَانَ الْأَمْرُ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى الْخَبَرِ ; لِأَنَّهُ إِنْذَارٌ بِالْجَزَاءِ لَا تَكْلِيفٌ، وَقَدْ قِيلَ فِي فَائِدَةِ هَذَا التَّعْبِيرِ عَنِ الْخَبَرِ بِالْإِنْشَاءِ: إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَتْمٌ لَا يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْخَبَرِ لِذَاتِهِ فِي احْتِمَالِهِمَا ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْإِيجَابِ وَهُوَ حَتْمٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْأَمْرَ بِمَا ذُكِرَ يَتَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ بِسَبَبِهِ
فَيَكُونُ مُؤَكِّدًا لِلْخَبَرِ بِبِنَاءِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَيُقَابِلُهُ التَّعْبِيرُ عَنِ الْأَمْرِ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ لِلتَّفَاؤُلِ بِمَضْمُونِهِ كَأَنَّهُ وَقَعَ بِالْفِعْلِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْأَمْرَ هُنَا لِلتَّكْوِينِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ (96: 1) أَيْ كُنْ قَارِئًا بَعْدَ إِذْ كُنْتَ أُمِّيًّا بِاسْمِ اللهِ مُبَلِّغًا عَنْهُ، ثُمَّ وَصَفَ رَبَّهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى جَعْلِ الْأُمِّيِّ قَارِئًا بِأَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، فَجَعَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ سَمِيعًا بَصِيرًا، وَعَلَّمَ الْإِنْسَانَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ، فَكَمَا فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ يَجْعَلُكَ قَارِئًا بِاسْمِهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا: فَلْيَكُونُوا بِقُدْرَتِنَا وَتَقْدِيرِنَا قَلِيلِي الضَّحِكِ كَثِيرِي الْبُكَاءِ ; لِأَنَّ سَبَبَ سُرُورِهِمْ وَفَرَحِهِمْ بِتَخَلُّفِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ قَدْ زَالَ، وَأَعْقَبَهُمُ الْفَضِيحَةَ وَالنَّكَالَ ; وَيُؤَيِّدُ كَوْنَهُ تَكْوِينًا قَدَرِيًّا، لَا تَكْلِيفًا شَرْعِيًّا، جَعْلُهُ عِقَابًا جَزَائِيًّا لَهُمْ عَلَى عَمَلِهِمْ بِقَوْلِهِ: جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَإِنَّ جَزَاءَ كُلِّ عَمَلٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَكَمَا يَدِينُ الْمَرْءُ يُدَانُ.
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى مَا يَجِبُ مِنَ الْجَزَاءِ الَّذِي يُعَامَلُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، مِمَّا يَقْتَضِي انْقِضَاءَ عَهْدِ فَرَحِهِمْ وَغِبْطَتِهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ بِالتَّمَتُّعِ بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ الصُّورِيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ فَقَالَ: فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فِعْلُ " رَجَعَ " يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ (20: 86) وَقَوْلِهِ: فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ (12: 63) وَمَصْدَرُهُ الرُّجُوعُ وَيُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا كَهَذِهِ الْآيَةِ، وَقَوْلِهِ: فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ (20: 40) وَمَصْدَرُهُ اَلرَّجْعُ وَالْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى مَا قَبْلَهُ ; لِأَنَّهُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ. وَالْمَعْنَى: فَإِنْ رَدَّكَ اللهُ أَيُّهَا الرَّسُولُ مِنْ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 492
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست