responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 486
لَا بِـ " فِي " فَلَا بُدَّ مِنَ التَّقْدِيرِ كَمَا فَعَلْنَا. وَالْمُتَطَوِّعُونَ وَالْمُطَّوِّعَةُ يُطْلَقُ عَلَى الَّذِينَ يَتَبَرَّعُونَ بِالْجِهَادِ وَالْغَزْوِ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ بِدُونِ أَنْ يَدْعُوَهُمُ الْإِمَامُ أَوِ السُّلْطَانُ لِذَلِكَ بِالتَّعْيِينِ، وَتَكُونُ نَفَقَتُهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ، وَالْمُتَطَوِّعُونَ بِالْحَرْبِ فِي هَذَا الْعَصْرِ تَتَوَلَّى نَفَقَتُهُمْ إِدَارَةُ الْعَسْكَرِ مِنْ مَالِ الْحُكُومَةِ ; إِذْ لَا يُمْكِنُهُمْ فِي النِّظَامِ الْعَسْكَرِيِّ الْحَدِيثِ أَنْ يَتَوَلَّوْا أَمْرَ النَّفَقَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ.
وَالتَّطَوُّعُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ: تَكَلُّفُ الطَّاعَةِ أَوِ الْإِتْيَانُ بِمَا فِي الطَّوْعِ مِنَ الْعَمَلِ، وَقَدْ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَا يَعُمُّ الْوَاجِبَ، كَمَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ: وَمِنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (2: 158) وَاسْتُعْمِلَ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ بِمَعْنَى النَّفْلِ، أَيِ: الزِّيَادَةُ عَلَى الْوَاجِبِ. قَالَ تَعَالَى فِي آيَاتِ الصِّيَامِ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ (2: 184) أَيْ: فَمَنْ زَادَ فِي الْفِدْيَةِ عَلَى طَعَامِ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ، وَفِي الصِّيَامِ عَلَى شَهْرِ رَمَضَانَ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَفِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الْمُسْتَفِيضِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا ذَكَرَ لَهُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَصِيَامَ رَمَضَانَ، وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ، وَسَأَلَهُ هَلْ عَلَيْهِ غَيْرُهَا؟ قَالَ لَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: " لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعْ " أَيْ: تَتَطَوَّعُ وَتَتَبَرَّعُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِكَ.
وَلَا يَظْهَرُ كَوْنُ التَّطَوُّعِ هُنَا بِمَعْنَى التَّبَرُّعِ بِالْغَزْوِ ; إِذِ الْكَلَامُ خَاصٌّ بِغَزْوَةِ تَبُوكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّفْرَ إِلَيْهَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ اللهَ قَدِ اسْتَنْفَرَ
الْمُؤْمِنِينَ لَهَا، وَوَبَّخَ الْمُتَثَاقِلِينَ عَنْهَا، وَقَالَ: انْفَرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ (41) وَلَكِنْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمُطَّوِّعِينَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ الْعَامُّ، وَهُمُ الَّذِينَ نَفَرُوا لِلْجِهَادِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ طَاعَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْرَهَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يُطْلَبَ بِشَخْصِهِ لَهُ. وَأَظْهَرُ مِنْهُ أَنْ يُرَادَ هُنَا التَّطَوُّعُ بِالصَّدَقَاتِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا، عَلَى أَنَّ اللَّمْزَ وَاقِعٌ فِي شَأْنِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِصِفَتِهَا وَمِقْدَارِهَا، لَا مُتَعَلِّقٌ بِهَا نَفْسِهَا، وَهُوَ الْوَاقِعُ الْمَعْقُولُ وَالْمَنْقُولُ فِي سَبَبِ النُّزُولِ الْآتِي.
وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ أَيْ: وَيَلْمِزُونَ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ، وَالْجُهْدُ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ: الطَّاقَةُ، وَهِيَ أَقْصَى مَا يَسْتَطِيعُهُ الْإِنْسَانُ، مَأْخُوذٌ مِنْ طَاقَةِ الْحَبْلِ وَهِيَ الْفَتْلَةُ الْوَاحِدَةُ وَالْفَتِيلُ مِنَ الْفَتْلِ الَّتِي يَتَأَلَّفُ مِنْهَا، وَتُسَمَّى قُوَّةً، وَجَمْعُهَا قُوًى - كَمَا بَيَّنَاهُ فِي تَفْسِيرِ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ (2: 184) مِنْ آيَاتِ الصِّيَامِ. وَالْمُرَادُ بِهِمُ الْفُقَرَاءُ الَّذِينَ تَصَدَّقُوا بِقَلِيلٍ هُوَ مَبْلَغُ جُهْدِهِمْ وَآخِرُ طَاقَتِهِمْ، وَعَطْفُهُمْ عَلَى الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ تَنْوِيهًا بِهِمْ ; لِأَنَّ مَجَالَ لَمْزِهِمْ وَعَيْبِهِمْ عِنْدَ الْمُنَافِقِينَ أَوْسَعُ، وَالسُّخْرِيَةَ مِنْهُمْ فِي عُرْفِهِمْ أَشَدُّ، وَإِنْ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 486
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست