responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 471
وَيَقْرُبُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَيْضًا إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَمِنْهُ تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْفِرْدَوْسَ هُوَ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهَذَا مَا قَالَهُ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ قَالَا: عَدْنٌ أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ وَفِيهَا عَيْنُ التَّسْنِيمِ وَالْجَنَّاتُ مُحْدَقَةٌ حَوْلَهَا إِلَخْ. وَتَتِمَّتُهُ فِي تَفْسِيرِ الْبَغَوِيِّ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْمَرْفُوعِ أَنَّ أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ تُسَمَّى الْوَسِيلَةُ، وَهِيَ دَرَجَةُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الَّتِي طَلَبَ مِنَّا أَنْ نَسْأَلَهَا لَهُ فِي دُعَاءِ الْأَذَانِ: " اللهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ. وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ " فَهَذِهِ دَرَجَةٌ خَاصَّةٌ.
وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ بَعْدَ ذِكْرِ جَنَّاتِ عَدْنٍ يُرَادُ بِهِ أَعْلَى دَرَجَاتِ الرِّضْوَانِ، وَمَا هُوَ إِلَّا مَقَامُ رُؤْيَةِ الرَّبِّ تَعَالَى الَّتِي تَكْمُلُ بِهَا مَعْرِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَتَتِمُّ سَعَادَةُ الْإِنْسَانِ، فَالْإِنْسَانُ جَسَدٌ وَرُوحٌ، فَفِي الْجَنَّاتِ وَمَسَاكِنِهَا أَعْلَى النَّعِيمِ الْجُسْمَانِيِّ، وَرَضْوَانُ اللهِ الْأَكْبَرُ هُوَ أَعْلَى النَّعِيمِ الرُّوحَانِيِّ، فَالتَّنْوِينُ فِيهِ لِلتَّعْظِيمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا حَرَّرْتُهُ أَنَّهُ لَمْ يُعْطَفْ مُفْرَدًا عَلَى مَا قَبْلَهُ مِمَّا وُعِدُوا بِهِ عَلَى الْإِيمَانِ وَأَعْمَالِهِ ; لِأَنَّهُ فَوْقَ كُلِّ جَزَاءٍ، كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ (10: 26) بَلْ جَاءَ مَرْفُوعًا فِي اللَّفْظِ كَرِفْعَةِ مَعْنَاهُ، فِي جُمْلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ تَقْدِيرُهَا: وَهُنَالِكَ رِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ وَأَعْظَمُ مِنْ تِلْكَ الْجَنَّاتِ وَمَا فِيهَا، لَا يُقَدَّرُ قَدْرُهُ، وَلَا يُكْتَنَهُ سِرُّهُ.
فَهَذَا مَا يُفْهَمُ بِمَعُونَةِ الْحَدِيثِ مِنَ اخْتِلَافِ إِعْرَابِهِ وَوَصْفِهِ بِاسْمِ التَّفْضِيلِ (أَكْبَرُ) وَقَدْ وَرَدَ لَفْظُ (وَرَضْوَانٌ) مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ غَيْرَ مَوْصُوفٍ بِهَذَا الْوَصْفِ، وَلَا مَوْصُولًا بِكَوْنِهِ مِنَ اللهِ فِي آيَةِ: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ (21) مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَذَكَرْتُ فِي تَفْسِيرِهَا مَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ
وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ (3: 15) مَعْطُوفًا عَلَى الْجَنَّاتِ وَالْأَزْوَاجِ، فَهَلْ يَجُوزُ فِي بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ مَا هُنَا مِنِ اخْتِلَافِ الْإِعْرَابِ وَوَصْفِ (أَكْبَرُ) بِغَيْرِ فَائِدَةٍ؟ وَهَلْ نَجِدُ لَهُ مِنَ الْفَائِدَةِ مَا هُوَ أَلْيَقُ بِهِ مِمَّا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنْ نِعْمَةِ الرُّؤْيَةِ؟ ، كَلَّا وَلَمْ يُبَيِّنْ هَذَا بِنَصٍّ صَرِيحٍ فِي الْقُرْآنِ، لِئَلَّا يَكُونَ فِتْنَةً لِمَنْ لَمْ تَسْمُ أَرْوَاحُهُمْ إِلَى إِدْرَاكِ هَذِهِ الْمَعَانِي، فَحِكْمَتُهُ الرَّحْمَةُ بِضَعْفِ الْإِنْسَانِ، وَاللَّبِيبُ يَفْهَمُ بِالْإِشَارَةِ، مَا لَا يَفْهَمُهُ الْغَبِيُّ بِأَفْصَحِ عِبَارَةٍ، أَفَلَمْ تَرَ كَيْفَ اخْتَلَفَ الْأَلِبَّاءُ فِي فَهْمِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (75: 22 و23) .

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 471
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست