responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 462
وَتَقَدَّمَ آنِفًا ذِكْرُ الْخُلُودِ فِي جَهَنَّمَ وَعِيدًا عَلَى مُحَادَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَزَادَ هُنَا ثَلَاثًا فَقَالَ: هِيَ حَسْبُهُمْ إِلَخْ. فَزِيَادَةُ التَّشْدِيدِ فِي الْوَعِيدِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ جَزَاءِ جَمَاعَةِ الْمُنَافِقِينَ وَالْكُفَّارِ، الرَّاسِخِينَ فِي النِّفَاقِ وَالْكُفْرِ، الْمُتَعَاوِنِينَ عَلَى أَعْمَالِهِمَا، وَجَزَاءِ أَفْرَادِ الْعَاصِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَمَفَاسِدُ هَؤُلَاءِ الْأَفْرَادِ شَخْصِيَّةٌ كَبِيرُهَا وَصَغِيرُهَا، وَأَمَّا مَفَاسِدُ جَمَاعَاتِ النِّفَاقِ وَالْكُفْرِ الْقَوْمِيَّةِ وَالْأُمَمِ الْمُتَعَاوِنَةِ فِيهَا فَهِيَ أَكْبَرُ ; لِأَنَّهَا أَعَمُّ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ فِيهَا مِنَ الْجَزَاءِ مَا يَكْفِيهِمْ عِقَابًا فِي الْآخِرَةِ وَلَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِحِرْمَانِهِمْ مِنْ رَحْمَتِهِ الْخَاصَّةِ، الَّتِي لَا يَسْتَحِقُّهَا إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ الصَّادِقُونَ، الَّذِينَ تُذْكَرُ صِفَاتُهُمْ فِي الْآيَاتِ الْمُقَابِلَةِ لِهَذِهِ عَقِبَهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ أَيْ: ثَابِتٌ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُمْ، وَالظَّاهِرُ مِنَ الْعَطْفِ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الْعَذَابِ نَفْسِيٌّ مَعْنَوِيٌّ غَيْرُ عَذَابِ جَهَنَّمَ الْحِسِّيِّ الْخَاصِّ بِهَا بِنَوْعَيْهِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ: الظَّاهِرِ كَالسَّمُومِ الَّذِي يَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ، وَالْحَرَارَةِ الَّتِي تُنْضِجُ جُلُودَهُمْ، وَالْحَمِيمِ الَّذِي يَصْهَرُ مَا فِي بُطُونِهِمْ، وَالزَّقُّومِ طَعَامِ الْأَثِيمِ، وَالضَّرِيعِ الَّذِي لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ. وَالْبَاطِنِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحُطَمَةِ: الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (104: 7) فَهَذَا النَّوْعُ الْمُقِيمُ إِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ مَا يَلْصَقُ بِقُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ خَوْفِ الْفَضِيحَةِ، وَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (55) وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ تَعْذِيبِ الضَّمِيرِ وَالْوِجْدَانِ، وَلِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنَ الْكُفَّارِ عَذَابٌ دُنْيَوِيٌّ مُقِيمٌ بِحَسَبِ حَالِهِمْ، وَلَاسِيَّمَا الْمُعَطِّلِينَ مِنْهُمْ، الَّذِينَ لَا هَمَّ لَهُمْ فِي لَذَّاتِ الدُّنْيَا، فَكُلُّ مَا يَفُوتُهُمْ مِنْهَا أَوْ يُنَغِّصُهَا عَلَيْهِمْ لَهُمْ فِيهِ عَذَابٌ لَا يَشْعُرُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ الرَّاضُونَ بِقَضَاءِ اللهِ، الصَّابِرُونَ عَلَى بَلَائِهِ، الشَّاكِرُونَ
لِنَعْمَائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ حِرْمَانُهُمْ مِنْ لِقَاءِ اللهِ تَعَالَى وَكَرَامَتِهِ، وَالْحِجَابُ دُونَ رُؤْيَتِهِ، كَمَا قَالَ: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (83: 15 و16) وَمَا يُذْكِيهِ فِي قُلُوبِهِمْ إِطْلَاعُ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُمْ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ. وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يُقَابِلُهُ فِي جَزَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الرِّضْوَانِ الْأَكْبَرِ الَّذِي عُطِفَ عَلَى نَعِيمِ الْجَنَّةِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ شُمُولِهِ لِمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَكِنَّهُ فِي عَذَابِ الْآخِرَةِ الْمَعْنَوِيِّ أَظْهَرُ، وَأَعَمُّ وَأَشْمَلُ، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْعَذَابِ الْمُقِيمِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي النَّارِ (5: 37) .
كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ هَذَا عَوْدٌ إِلَى خِطَابِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِهِمُ الْآيَاتُ السَّابِقَةُ وَاللَّاحِقَةُ، بَعْدَ ذِكْرِ حَالِ جِنْسِ الْمُنَافِقِينَ وَصِفَاتِهِمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ. يَقُولُ لَهُمْ: أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ الْمُؤْذُونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، كَأُولَئِكَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ فِي أَقْوَامِ الْأَنْبِيَاءِ، مَفْتُونُونَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ، مَغْرُورُونَ بِدُنْيَاكُمْ، كَمَا كَانُوا مَفْتُونِينَ وَمَغْرُورِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 462
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست