responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 46
سَوَاءٍ قَالَ: فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ بِالْجُيُوشِ. فَهَذَا صَحَابِيٌّ وَعَظَ قَائِدًا صَحَابِيًّا مِنَ الِاسْتِعْدَادِ لِلْحَرْبِ فِي وَقْتِ عَهْدِ السَّلْمِ فَاتَّعَظَ وَرَجَعَ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ وَالْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي مَعْنَاهَا مِنْ مُرَاعَاةِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ فِي الْحَرْبِ مَا انْفَرَدَ بِهِ الْإِسْلَامُ دُونَ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ، وَقَوَانِينِ الْمَدَنِيَّةِ اللَّاحِقَةِ. وَمَعَ هَذِهِ الْفَضَائِلِ وَالْمَزَايَا كُلِّهَا يَطْعَنُ دُعَاةُ النَّصْرَانِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ مُكَابِرِي الْحَقِّ فِي هَذَا الدِّينِ، وَفِي أَخْلَاقِ مَنْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَحْكَامَ الشَّرِيفَةَ وَقَالَ لَهُ: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (68: 4) .
ثُمَّ أَنْذَرَ اللهُ تَعَالَى أُولَئِكَ الْخَائِنِينَ بِالْفِعْلِ مَا سَيَحِلُّ بِهِمْ فَقَالَ: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ (يَحْسَبَنَّ) بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَالْبَاقُونَ بِالْفَوْقِيَّةِ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَظْهَرُ، وَمَعْنَاهَا: وَلَا تَحْسَبَنَّ أَيُّهَا
الرَّسُولُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا قَدْ سَبَقُوا بِخِيَانَتِهِمْ لَكَ، وَنَقْضِهِمْ لِعَهْدِكَ بِالسِّرِّ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ بِأَنْ أَفْلَتُوا مِنْ عِقَابِنَا مُتَحَصِّنِينَ بِعَهْدِهِمُ الَّذِي يَمْنَعُكَ مِنْ قِتَالِهِمْ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (29: 4) - وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الْأُولَى فَمَعْنَاهَا: وَلَا يَحْسَبَنَّ حَاسِبٌ أَوْ أَحَدٌ أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا قَدْ سَبَقُوا بِمَا ذُكِرَ مِنْ نَقْضِهِمْ لِلْعَهْدِ، وَمُظَاهَرَتِهِمْ لِأَهْلِ الشِّرْكِ فِي الْحَرْبِ - أَوْ لَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْفُسَهُمْ سَبَقُونَا، وَنَجَوْا مِنْ عَاقِبَةِ خِيَانَتِهِمْ وَشَرِّهِمْ، وَقَدْ عَلَّلَ هَذَا النَّهْيَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَعَلَا: إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِكَسْرِ " إِنَّ " عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَابْنُ عَامِرٍ بِفَتْحِهَا بِتَقْدِيرِ " لِأَنَّهُمْ " وَحَذْفُ لَامِ التَّعْلِيلِ مُطَّرِدٌ فِي مِثْلِ هَذَا. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ اللهَ تَعَالَى بِمَكْرِهِمْ وَخِيَانَتِهِمْ لِرَسُولِهِ بِمُسَاعَدَةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ سَيَجْزِيهِمْ وَيُسَلِّطُ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ، فَيُذِيقُونَهُمْ عَاقِبَةَ كَيْدِهِمْ. وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي نَبْذِ عُهُودِ الْمُشْرِكِينَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ (بَرَاءَةٌ) وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (9: 2) فَهُوَ قَدْ أَعْلَمَ رَسُولَهُ بِخِيَانَتِهِمْ، وَأَذِنَ لَهُمْ بِنَبْذِ عَهْدِهِمْ، لِيُحِلَّ لَهُ مُنَاجَزَتَهُمُ الْقِتَالَ جَزَاءً عَلَى مُسَاعَدَتِهِمْ لِأَعْدَائِهِ عَلَيْهِ وَإِغْرَائِهِمْ بِقِتَالِهِ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا أَوْجَبَهُ الْإِسْلَامُ مِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْعُهُودِ مَعَ الْمُحَالِفِينَ مِنْ أَعْدَائِهِ الْمُخَالِفِينَ لَهُ فِي الدِّينِ: وَمَا حَرَّمَهُ مِنَ الْخِيَانَةِ لَهُمْ فِيهَا، وَمَا شَرَعَهُ مِنَ الْعَدْلِ وَالصَّرَاحَةِ فِي مُعَامَلَتِهِمْ - لَيْسَ عَنْ ضَعْفٍ وَلَا عَنْ عَجْزٍ، بَلْ عَنْ قُوَّةٍ وَتَأْيِيدٍ إِلَهِيٍّ، وَقَدْ نَصَرَ اللهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ الْخَائِنِينَ النَّاقِضِينَ لِعُهُودِهِمْ، وَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ وَإِجْلَاءَهُمْ لِبَقِيَّةِ السَّيْفِ مِنْهُمْ مَنْ جِوَارِ عَاصِمَةِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ مِنْ مَهْدِهِ وَمَعْقِلِهِ (الْحِجَازِ) كَانَ عَدْلًا وَحَقًّا. (فُصُولٌ فِي الْمُعَامَلَةِ بَيْنَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَيَهُودِ الْمَدِينَةِ فِي السَّلْمِ وَالْحَرْبِ)
نَخْتِمُ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَاتِ بِمَا شَرَحَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ
الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ إِتْمَامًا لِمَا فَسَّرْنَا بِهِ الْآيَاتِ، وَإِثْبَاتًا لَهُ بِالْوَقَائِعِ وَالْبَيِّنَاتِ، قَالَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 46
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست