responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 452
الْكَلَامَ فِي إِيذَائِهِ، وَهُوَ أَضْعَفُ مِمَّا قَبْلَهُ، وَأَقْرَبُ الْأَقْوَالِ إِلَى قَوَاعِدِهِمْ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ: الْكَلَامُ جُمْلَتَانِ حُذِفَ خَبَرُ إِحْدَيْهِمَا لِدَلَالَةِ خَبَرِ الْأُخْرَى عَلَيْهِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا عِنْـ ... دَكَ رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ
فَهَذَا لَا تَكَلُّفَ فِيهِ مِنْ نَاحِيَةِ التَّرْكِيبِ الْعَرَبِيِّ، وَلَكِنْ تَفُوتُ بِهِ النُّكْتَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَهِيَ مِنْ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْبَيَانِ اقْتِبَاسُهَا، وَاسْتِعْمَالُ مِثْلِ هَذَا التَّعْبِيرِ فِي كُلِّ مَا كَانَ مِثْلَهُ فِي الْمَعْنَى، وَلَوْلَا هَذَا التَّنْبِيهُ لَمَا عُنِينَا بِنَقْلِ أَقْوَالِهِمْ فِي الْإِعْرَابِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمِنْهَاجِنَا.
وَقَوْلُهُ: إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ تَذْيِيلٌ لِبَيَانِ أَنَّ مَا قَبْلَهُ هُوَ مُقْتَضَى الْإِيمَانِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا يُنْجِي فِي الْآخِرَةِ غَيْرُهُ، أَيْ: إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ كَمَا يَدَّعُونَ وَيَحْلِفُونَ فَلْيُرْضُوا اللهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ، وَإِلَّا كَانُوا كَاذِبِينَ، وَفِي الْآيَةِ عِبْرَةٌ لِلْمُنَافِقِينَ فِي زَمَانِنَا كَكُلِّ زَمَانٍ، وَعِبْرَةٌ بِحَالِهِمْ لِمَنْ يَرَاهُمْ يَكْذِبُونَ وَيَحْلِفُونَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى تَأْكِيدِ أَخْبَارِهِمْ فِيمَا يُحَاوِلُونَ بِهِ إِرْضَاءَ النَّاسِ وَلَا سِيَّمَا الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ وَالْوُزَرَاءُ الَّذِينَ يَتَقَرَّبُونَ إِلَيْهِمْ فِيمَا لَا يُرْضِي اللهَ تَعَالَى بَلْ فِيمَا يُسْخِطُهُ مِنَ الْمَقَاصِدِ، الَّتِي يَتَوَسَّلُونَ إِلَيْهَا بِأَخَسِّ الْوَسَائِلِ.
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا الِاسْتِفْهَامُ هُنَا لِلتَّوْبِيخِ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ، وَالْمُحَادَّةُ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْحَدِّ وَهُوَ طَرَفُ الشَّيْءِ، كَالْمُشَاقَّةِ مِنَ الشِّقِّ وَهُوَ بِالْكَسْرِ الْجَانِبُ وَنِصْفُ الشَّيْءِ الْمُنْشَقِّ مِنْهُ، وَكِلَاهُمَا
بِمَعْنَى الْمُعَادَاةِ مِنَ الْعُدْوَةِ وَهِيَ بِالضَّمِّ جَانِبُ الْوَادِي؛ لِأَنَّ الْعَدُوَّ يَكُونُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَمَّنْ يُعَادِيهِ عَدَاءَ الْبُغْضِ وَالشَّنَآنِ، بِحَيْثُ لَا يَتَزَاوَرَانِ وَلَا يَتَعَاوَنَانِ، فَشُبِّهَ بِمَنْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي حَدٍّ وَشِقٍّ وَعُدْوَةٍ، كَمَا يُقَالُ: هُمَا عَلَى طَرَفَيْ نَقِيضٍ، وَكَذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ يَكُونُونَ فِي الْحَدِّ وَالْجَانِبِ الْمُقَابِلِ لِلْجَانِبِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللهُ لِعِبَادِهِ وَالرَّسُولُ لِأُمَّتِهِ مِنَ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَلَا سِيَّمَا الْجِهَادُ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ لِلدِّفَاعِ عَنِ الْمِلَّةِ وَالْأُمَّةِ وَإِعْلَاءِ شَأْنِهِمَا. وَالْعَاصِي وَإِنْ خَالَفَ أَمْرَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَنَهْيَهُمَا فِي بَعْضِ الْأُمُورِ لَا يَنْتَهِي إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ أَوِ الْعُدْوَةِ فِي الْبُعْدِ عَنْهُمَا، فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ حُجَّةٌ لِمَنْ يُكَفِّرُونَ الْعُصَاةَ. وَجَهَنَّمُ دَارُ الْعَذَابِ وَتَقَدَّمَ هَذَا الِاسْمُ مِرَارًا.
وَالْمَعْنَى: أَلَمْ يَعْلَمْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ أَنَّ الشَّأْنَ وَالْأَمْرَ الثَّابِتَ الْحَقَّ هُوَ: مَنْ يُعَادِي اللهَ وَرَسُولَهُ بِتَعَدِّي حُدُودِ اللهِ، أَوْ بِلَمْزِ الرَّسُولِ فِي أَعْمَالِهِ كَقِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ أَوْ أَخْلَاقِهِ وَشَمَائِلِهِ كَقَوْلِهِمْ: هُوَ أُذُنٌ - فَجَزَاؤُهُ أَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خَالِدًا فِيهَا لَا مُخْرِجَ لَهُ مِنْهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ أَيْ: ذَلِكَ الصَّلْيُ الْأَبَدِيُّ هُوَ الذُّلُّ وَالنَّكَالُ الْعَظِيمُ، الَّذِي يَتَضَاءَلُ دُونَهُ كُلُّ خِزْيٍ وَذُلٍّ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 452
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست