responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 442
مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ،
وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَالزَّكَاةُ هِيَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ - بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ - وَأَظْهَرُ آيَاتِ الْإِيمَانِ، وَتَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ اشْتِرَاطُ أَدَائِهَا فِي قَبُولِ إِسْلَامِ الْكُفَّارِ وَعَدِّهِمْ إِخْوَانًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي الدِّينِ وَكَانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُبَايِعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَدَائِهَا، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى كُفْرِ جَاحِدِهَا وَمُسْتَحِلِّ تَرْكِهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا مَكَانَةَ الزَّكَاةِ فِي الْإِسْلَامِ وَأَدِلَّتَهَا عَلَى صِدْقِ الْإِيمَانِ وَضَلَالِ تَارِكِيهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ.
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ فِي هَذَا الْعَصْرِ حُكُومَاتٌ إِسْلَامِيَّةٌ تُقِيمُ الْإِسْلَامَ بِالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ وَالدِّفَاعِ عَنْهُ، وَالْجِهَادِ الَّذِي يُوجِبُهُ وُجُوبًا عَيْنِيًّا أَوْ كِفَائِيًّا، وَتُقِيمُ حُدُودَهُ، وَتَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَةَ كَمَا فَرَضَهَا، وَتَضَعُهَا فِي مَصَارِفِهَا الَّتِي حَدَّدَهَا، بَلْ سَقَطَ أَكْثَرُهُمْ تَحْتَ سُلْطَةِ دُوَلِ الْإِفْرِنْجِ، وَبَعْضُهُمْ تَحْتَ سُلْطَةِ حُكُومَاتٍ مُرْتَدَّةٍ أَوْ مُلْحِدَةٍ، وَلِبَعْضِ الْخَاضِعِينَ لِدُوَلِ الْإِفْرِنْجِ رُؤَسَاءُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْجُغْرَافِيِّينَ اتَّخَذَهُمُ الْإِفْرِنْجُ آلَاتٍ لِإِخْضَاعِ الشُّعُوبِ لَهُمْ بِاسْمِ الْإِسْلَامِ حَتَّى فِيمَا يَهْدِمُونَ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَيَتَصَرَّفُونَ بِنُفُوذِهِمْ وَأَمْرِهِمْ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمُ الْخَاصَّةِ بِهِمْ فِيمَا لَهُ صِفَةٌ دِينِيَّةٌ مِنْ صَدَقَاتِ الزَّكَاةِ وَالْأَوْقَاتِ وَغَيْرِهَا، فَأَمْثَالُ هَذِهِ الْحُكُومَاتِ لَا يَجُوزُ دَفْعُ شَيْءٍ مِنَ الزَّكَاةِ لَهَا مَهْمَا يَكُنْ لَقَبُ رَئِيسِهَا وَدِينُهُ الرَّسْمِيُّ.
وَأَمَّا بَقَايَا الْحُكُومَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ الَّتِي يَدِينُ أَئِمَّتُهَا وَرُؤَسَاؤُهَا بِالْإِسْلَامِ، وَلَا سُلْطَانَ عَلَيْهِمْ لِلْأَجَانِبِ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَهِيَ الَّتِي يَجِبُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ لِأَئِمَّتِهَا، وَكَذَا الْبَاطِنَةُ كَالنَّقْدَيْنِ إِذَا طَلَبُوهَا، وَإِنْ كَانُوا جَائِرِينَ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِمْ كَمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ، وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ مَنْ أَدَّاهَا إِلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَضَعُوهَا فِي مَصَارِفِهَا الْمَنْصُوصَةِ فِي الْآيَةِ الْحَكِيمَةِ بِالْعَدْلِ. وَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ كَمَا فِي
شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْإِمَامَ السُّلْطَانَ إِذَا كَانَ جَائِرًا لَا يَضَعُ الصَّدَقَاتِ فِي مَصَارِفِهَا الشَّرْعِيَّةِ، فَالْأَفْضَلُ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا لِمُسْتَحِقِّيهَا بِنَفْسِهِ، إِذَا لَمْ يَطْلُبْهَا الْإِمَامُ أَوِ الْعَامِلُ مِنْ قِبَلِهِ.
(5) لَا تُعْطَى الزَّكَاةُ لِلْمُرْتَدِّينَ، وَلَا لِلْمَلَاحِدَةِ وَالْإِبَاحِيِّينَ:
مِنَ الْمَعْلُومِ بِالِاخْتِبَارِ أَنَّهُ قَدْ كَثُرَ الْإِلْحَادُ وَالزَّنْدَقَةُ فِي الْأَمْصَارِ الَّتِي أَفْسَدَ التَّفَرْنُجُ تَرْبِيَتَهَا الْإِسْلَامِيَّةَ وَتَعْلِيمَ مَدَارِسِهَا، وَمِنَ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ شَرٌّ مِنَ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى شَيْئًا مِنَ الزَّكَاةِ، وَلَا مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ غَيْرُ الْحَرْبِيِّ فَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ دُونَ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 442
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست