responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 430
قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَفِي الرِّقَابِ فَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَاللَّيْثِ وَالثَّوْرِيِّ وَالْعِتْرَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ: الْمُكَاتَبُونَ يُعَانُونَ مِنَ الزَّكَاةِ عَلَى الْكِتَابَةِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَإِلَيْهِ مَالَ الْبُخَارِيُّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهَا تُشْتَرَى رِقَابٌ لِتُعْتَقَ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا لَوِ اخْتَصَّتْ بِالْمُكَاتَبِ لَدَخَلَ فِي حُكْمِ الْغَارِمِينَ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَبِأَنَّ شِرَاءَ الرَّقَبَةِ لِتُعْتَقَ أَوْلَى مِنْ إِعَانَةِ الْمَكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُعَانُ وَلَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ الْمَكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ يَتَيَسَّرُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إِنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ. وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ الْمَذْكُورُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَكَّ الرِّقَابِ غَيْرُ عِتْقِهَا، وَعَلَى أَنَّ الْعِتْقَ وَإِعَانَةَ الْمُكَاتَبِينَ عَلَى مَالِ الْكِتَابَةِ مِنَ الْأَعْمَالِ الْمُقَرِّبَةِ مِنَ الْجَنَّةِ وَالْمُبْعِدَةِ مِنَ النَّارِ اهـ. وَهُوَ الْحَقُّ.
وَالْغَارِمِينَ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّهُ صُرِفَ لِأَشْخَاصٍ مَوْصُوفِينَ، لَا عَلَى مَا قَبْلَهُ وَهُوَ: وَفِي الرِّقَابِ أَيْ: وَلِلْغَارِمِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ غَرَامَةٌ مِنَ الْمَالِ بِدُيُونٍ رَكِبَتْهُمْ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ أَدَاؤُهَا، وَاشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ أَنْ تَكُونَ الدُّيُونُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ تَعَالَى، إِلَّا إِذَا عُلِمَ أَنَّ الْغَارِمَ تَابَ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَفِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَسَفَاهَةٍ إِلَّا إِذَا رَشَدَ فَكَانَتْ مُسَاعَدَتُهُ مِنَ الصَّدَقَةِ عَوْنًا لَهُ عَلَى رُشْدِهِ، وَكَذَا الْغَارِمُونَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا
وَقَعَتْ بَيْنَهُمْ فِتْنَةٌ اقْتَضَتْ غَرَامَةً فِي دِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، قَامَ أَحَدُهُمْ فَتَبَرَّعَ بِالْتِزَامِ ذَلِكَ وَالْقِيَامِ بِهِ حَتَّى تَرْتَفِعَ تِلْكَ الْفِتْنَةُ الثَّائِرَةُ، وَكَانُوا إِذَا عَلِمُوا أَنَّ أَحَدَهُمُ الْتَزَمَ غَرَامَةً أَوْ تَحَمَّلَ حَمَالَةً بَادَرُوا إِلَى مَعُونَتِهِ عَلَى أَدَائِهَا وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ، وَكَانُوا يَعُدُّونَ سُؤَالَ الْمُسَاعَدَةِ عَلَى ذَلِكَ فَخْرًا، لَا ضَعَةً وَذُلًّا.
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ. وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَسْأَلُهُ فِيهَا فَقَالَ: " أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا - ثُمَّ قَالَ - يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ - سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُولَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: قَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ - سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ فَسُحْتٌ يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
وَفِي سَبِيلِ اللهِ هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَفِي الرِّقَابِ لَا عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ صُرِفَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 430
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست