responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 43
مُفْصَلًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ، وَمُجْمَلًا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَغَيْرِهَا. وَكَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يُبْعَثُ مِنَ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّ مِنْ نُصُوصِ التَّوْرَاةِ الْمَوْجُودَةِ إِلَى الْآنِ أَنَّهُ تَعَالَى يَبْعَثُ لَهُمْ نَبِيًّا مِثْلَ مُوسَى بَيْنَ بَنِي إِخْوَتِهِمْ أَيْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَكَانُوا يَطْمَعُونَ فِي أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّبِيُّ مِنْهُمْ، وَيَرَوْنَ أَنَّهُ يَكْفِي فِي صِحَّةِ خَبَرِ التَّوْرَاةِ ظُهُورُهُ بَيْنَ الْعَرَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ بِزَعْمِهِمْ مُحْتَكَرَةٌ مُحْتَجَنَةٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، عَلَى مَا اعْتَادُوا مِنَ التَّحْرِيفِ وَالتَّأْوِيلِ.
وَقَالَ: فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ " كَفَرُوا " لَا تَقْتَضِي الثَّبَاتَ عَلَى الْكُفْرِ دَائِمًا، فَعَطَفَ عَلَيْهَا الْإِخْبَارَ بِأَنَّ كُفْرَهُمْ دَائِمٌ لَا يَرْجِعُونَ عَنْهُ فِي جُمْلَتِهِمْ، حَتَّى يَيْئَسَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ مِمَّا كَانُوا يَرْجِعُونَ مِنْ إِيمَانِهِمْ، وَهَذَا لَا يُنَافِي وُقُوعَ الْإِيمَانِ مِنْ بَعْضِهِمْ وَقَدْ وَقَعَ، وَهَذَا الْخَبَرُ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ، ثُمَّ أَيْأَسَهُمْ مِنْ ثَبَاتِهِمْ عَلَى السَّلْمِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ بِمُقْتَضَى الْعَهْدِ بَعْدَ إِيئَاسِهِمْ مِنَ اهْتِدَائِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ:
الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ فَـ " الَّذِينَ " هَذِهِ بَدَلٌ مِنَ الْأُولَى أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ لَهَا، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَقَدَ مَعَ يَهُودِ الْمَدِينَةِ عَقِبَ هِجْرَتِهِ إِلَيْهَا عَهْدًا أَقَرَّهُمْ فِيهِ عَلَى دِينِهِمْ، وَأَمَّنَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ،
فَنَقَضَ كُلٌّ مِنْهُمْ عَهْدَهُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْهُمْ قِيلَ: مَعْنَاهُ أَخَذْتَ الْعَهْدَ مِنْهُمْ وَقِيلَ: " مِنْ " صِلَةٌ وَالْمُرَادُ عَاهَدْتَهُمْ، وَالْمُتَبَادِرُ أَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ أَيْ عَاهَدْتَ بَعْضَهُمْ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ طَوَائِفُ يَهُودِ الْمَدِينَةِ، وَلَا يَظْهَرُ التَّبْعِيضُ فِيهِ إِلَّا إِذَا كَانَتِ الْآيَاتُ فِي يَهُودِ بِلَادِ الْعَرَبِ كُلِّهِمْ، وَقِيلَ: قُرَيْظَةُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ فِي يَهُودِ الْمَدِينَةِ وَهُمْ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: زُعَمَاؤُهُمُ الَّذِينَ تَوَلَّوْا عَقْدَ الْعَهْدِ مَعَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وَإِنَّمَا قَالَ: (يَنْقُضُونَ) بِفِعْلِ الِاسْتِقْبَالِ مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ نَقَضُوهُ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، لِإِفَادَةِ اسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هَفْوَةً رَجَعُوا عَنْهَا، وَنَدِمُوا عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي عَنْ بَعْضِهِمْ، بَلْ أَنَّهُمْ يَنْقُضُونَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَإِنْ تَكَرَّرَ، وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى عُهُودِ طَوَائِفِ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا حَوْلَ الْمَدِينَةِ فِي جُمْلَتِهِمْ، وَهُمْ ثَلَاثُ طَوَائِفَ كَمَا سَيَأْتِي، وَيَصْدُقُ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَحْدَهُمْ وَكَانُوا أَشَدَّهُمْ كُفْرًا، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ تَكَرَّرَ عَهْدُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَهُمْ. قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، وَعَزَى إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: هُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ، نَقَضُوا عَهْدَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَعَانُوا عَلَيْهِ بِالسِّلَاحِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ ثُمَّ قَالُوا نَسِينَا وَأَخْطَأْنَا، فَعَاهَدَهُمُ الثَّانِيَةَ فَنَقَضُوا الْعَهْدَ، وَمَالَئُوا الْكُفَّارَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَرَكِبَ زَعِيمُهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ إِلَى مَكَّةَ فَحَالَفَهُمْ عَلَى مُحَارَبَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ اللهَ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ، وَلَا يَتَّقُونَ مَا قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ قِتَالِهِمْ وَالظَّفَرِ بِهِمْ. وَسَيَأْتِي بَعْضُ التَّفْصِيلِ لِمُعَامَلَةِ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَرَسُولِ السَّلَامِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِلْيَهُودِ بَعْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ.
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى حُكْمَهُمْ بِقَوْلِهِ لِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 43
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست