responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 425
أَوْ أَطْعِمْ هَذَا الطَّعَامَ لِلْفُقَرَاءِ وَلِأَشَدِّ النَّاسِ فَقْرًا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ أَشَدِّهِمْ فَقْرًا بَعْدَ ذِكْرِ الْفُقَرَاءِ يَكُونُ لَغْوًا، إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِضْرَابُ عَمَّا قَبْلَهُ، وَحِينَئِذٍ يُقَالُ: بَلْ لِأَشَدِّهِمْ فَقْرًا، وَلَا يَظْهَرُ هُنَا إِرَادَةُ التَّأْكِيدِ لِلِاهْتِمَامِ، فَتَرَجَّحَ أَوْ تَعَيَّنَ أَنْ يُرَادَ بِالْمَسَاكِينِ مَنْ جَعَلَتْهُمْ مَسْكَنَةُ الْفَقْرِ أَقَلَّ اضْطِرَابًا فِيهِ، وَأَكْثَرَ تَجَمُّلًا وَسُكُونًا لِخِفَّتِهِ عَلَيْهِمْ وَعَدَمِ وُصُولِهِ بِهِمْ إِلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي لَا تُطَاقُ، وَلَا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهَا بِالتَّجَمُّلِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (90: 16) لِأَنَّ شِدَّةَ الْحَاجَةِ الْمُلْصِقَةِ بِالتُّرَابِ لَا تُنَافِي التَّجَمُّلَ وَالتَّعَفُّفَ. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَا اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الَّذِي يَتَعَفَّفُ اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا (2: 273) وَفِي لَفْظِ: " وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ " وَالْحَدِيثُ بِلَفْظَيْهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا اخْتَرْنَاهُ. وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ؛ لِتَفْنِيدِ مَا أَطَالَهُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ.
فَالْفُقَرَاءُ فِي آيَةِ الصَّدَقَاتِ هُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ لَهَا بِفَقْرِهِمْ، كَمَا قَالَ فِي آيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (2: 271) وَلِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا (2: 273) وَكَمَا قَالَ فِي مَالِ الْفَيْءِ مِنْ سُورَةِ الْحَشْرِ: مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ (59: 7) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. ثُمَّ خَصَّ الْمَسَاكِينَ مِنَ الْفُقَرَاءِ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا لَا يُفْطَنُ لَهُمْ لِتَجَمُّلِهِمْ.
وَقَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ وَالِيًا وَقَاضِيًا: " إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ وَكَرَائِمُ أَمْوَالِ النَّاسِ خِيَارُهَا وَنَفَائِسُهَا الَّتِي تَضِنُّ النَّفْسُ بِهَا، فَلَا يَجُوزُ لِلْحُكَّامِ وَالْعَامِلِينَ عَلَى الصَّدَقَاتِ أَخْذُهَا فِي الصَّدَقَةِ لِتُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ، وَلَا بِالرِّشْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ بِالْأَوْلَى. وَالْمَسَاكِينُ يَدْخُلُونَ فِي عُمُومِ الْفُقَرَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمْثَالِهِ كَالْآيَاتِ لُغَةً، وَحَيْثُ يُذْكَرُ الْمِسْكِينُ أَوِ الْمَسَاكِينُ فِي الْقُرْآنِ يُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْفُقَرَاءَ بِالتَّغْلِيبِ أَوْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ إِذْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي الْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ بِهِمْ، وَفِي كَفَّارَاتِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَصَيْدِ الْحَرَمِ وَالْغَنَائِمِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، فَهُمَا صِنْفَانِ لِجِنْسٍ أَوْ نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 425
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست