responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 418
(2: 85) وَقَدْ بَايَعَ الْمُؤْمِنُونَ الرَّسُولَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى الطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ.
وَلَمَّا كَانَ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أُولِي الطَّوْلِ وَالسَّعَةِ فِي الدُّنْيَا كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) وَكَانَ تَرَفُ الْغَنِيِّ وَطُغْيَانُهُ أَقْوَى أَسْبَابِ إِعْرَاضِهِمْ عَنْ آيَاتِ اللهِ، وَالتَّأَمُّلِ فِي مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ - بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ سُوءَ عَاقِبَتِهِمْ فِيهِ فَقَالَ: فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ، الْإِعْجَابُ بِالشَّيْءِ أَنْ تُسَرَّ بِهِ سُرُورَ رَاضٍ بِهِ فَتَعْجَبُ مِنْ حُسْنِهِ كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَالْخِطَابُ لِلرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَوْ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَ الْقَوْلَ أَوْ بَلَغَهُ، وَالْكَلَامُ مُرَتَّبٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِذَا كَانَ هَذَا شَأْنُهُمْ فِي مَظِنَّةِ مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا
عَدْلًا، فَلَا تُعْجِبْكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ أَوْ أَيُّهَا السَّامِعُ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمُ الَّتِي هِيَ فِي نَفْسِهَا مِنْ أَكْبَرِ النِّعَمِ وَأَجَلِّهَا، وَلَا تَظُنَّ أَنَّهُمْ وَقَدْ حُرِمُوا مِنْ ثَوَابِهَا فِي الْآخِرَةِ قَدْ صَفَا لَهُمْ نَعِيمُهَا فِي الدُّنْيَا، وَعَلَّلَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِمَا يَعْرِضُ لَهُمْ فِيهَا مِنَ الْمُنَغِّصَاتِ وَالْحَسَرَاتِ، أَمَّا الْأَمْوَالُ فَإِنَّهُمْ يَتْعَبُونَ فِي جَمْعِهَا، وَيَحْرِصُونَ عَلَى حِفْظِهَا، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ مَا يُنْفِقُونَهُ مِنْهَا مِنْ زَكَاةٍ وَإِعَانَةٍ عَلَى قِتَالٍ، وَإِنْفَاقٍ عَلَى قَرِيبٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَشَقُّ مِنْهُ إِعْتِقَادُهُمْ أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَهَا بَعْدَهُمْ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ وَرَثَتَهُمْ مِنْهُمْ فِي الْغَالِبِ حَتَّى زَعِيمِهِمُ الْأَكْبَرِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ (لَعَنَهُ اللهُ) كَمَا سَيَأْتِي فِي الْآيَاتِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي خَبَرِ مَوْتِهِ عَلَى كُفْرِهِ، وَأُعِيدَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا. وَأَمَّا الْأَوْلَادُ فَلِأَنَّهُمْ يَرَوْنَهُمْ قَدْ نَشَؤُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ قُلُوبُهُمْ، وَأَنَّهُمْ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَكُلُّ هَذِهِ حَسَرَاتٌ فِي قُلُوبِهِمْ. وَلَقَدْ كَانَ ثَعْلَبَةُ الَّذِي عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَاهُ مِنْ فَضْلِهِ لَيَصَّدَّقَنَّ وَلَيَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ، ثُمَّ نَقَضَ عَهْدَهُ وَأَخْلَفَ اللهَ مَا وَعَدَهُ بَعْدَ أَنْ أَغْنَاهُ - أَشَدَّهُمْ حَسْرَةً بِامْتِنَاعِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَخُلَفَائِهِ عَنْ قَبُولِ زَكَاتِهِ وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ فَيُعَذَّبُونَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ أَشَدَّ مِمَّا عُذِّبُوا بِهَا فِي الدُّنْيَا بِمَوْتِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمُ الْمُحْبِطِ لِعَمَلِهِمْ. زُهُوقُ الْأَنْفُسِ: خُرُوجُهَا مِنَ الْأَجْسَادِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ الْخُرُوجُ بِصُعُوبَةٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ (17: 81) أَيْ هَلَكَ وَاضْمَحَلَّ، وَجَعَلَهُ فِي الْأَسَاسِ مَجَازًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ زَهَقَ السَّهْمُ إِذَا سَقَطَ دُونَ الْهَدَفِ، وَوَرَدَ زَهَقَتِ النَّاقَةُ بِمَعْنَى أَسْرَعَتْ، فَالتَّعْبِيرُ بِالزُّهُوقِ هُنَا إِمَّا مِنَ الْأَوَّلِ أَيِ: الْهَلَاكِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَإِمَّا مِنَ الْإِسْرَاعِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَعْمَارِهِمْ إِلَّا الْقَلِيلُ حَقِيقَةً، أَوْ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِمْ: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (33: 16) .

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 418
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست