responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 416
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمَّا دَعَا الْجَدَّ بْنَ قَيْسٍ إِلَى جِهَادِ الرُّومِ قَالَ: إِنِّي إِذَا رَأَيْتُ النِّسَاءَ لَمْ أَصْبِرْ حَتَّى أُفْتَتَنَ وَلَكِنْ أُعِينُكَ بِمَالِي، فَفِيهِ نَزَلَ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ وَقَدْ ضَعَّفَ (الطَّبَرِيُّ) هَذَا الْقَوْلَ بِالتَّعْبِيرِ عَنْهُ بِـ " قِيلَ " وَالْحَقُّ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ تَشْمَلُ هَذَا وَغَيْرَهُ، وَأَنَّهَا نَزَلَتْ مَعَ غَيْرِهَا مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ لَا عَقِبَ قَوْلِ جَدِّ بْنِ قَيْسٍ مَا قَالَ قَبْلَهُ، وَالْمَعْنَى: قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ: أَنْفِقُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ أَمْوَالِكُمْ فِي الْجِهَادِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا أَمَرَ اللهُ بِهِ فِي حَالِ الطَّوْعِ لِلتَّقِيَّةِ، أَوِ الْكُرْهِ خَوْفَ الْعُقُوبَةِ، فَمَهْمَا تُنْفِقُوا فِي الْحَالَتَيْنِ لَنْ يَتَقَبَّلَ اللهُ مِنْكُمْ شَيْئًا مِنْهُ، مَا دُمْتُمْ عَلَى شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ
وَالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ فِي الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ مَا يُنْفِقُونَهُ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى إِطْلَاقِهِ فِي جَمِيعِهِمْ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى إِجْرَاءِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ عَلَيْهِمْ تَقْتَضِي وُجُوبَ أَخْذِ زَكَاتِهِمْ وَنَفَقَاتِهِمْ، إِلَّا أَنْ يُوجَدَ مَانِعٌ خَاصٌّ فِي شَأْنِ بَعْضِهِمْ، كَمَا سَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِهِ: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ (75) الْآيَاتِ.
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ جَرِيرٍ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ: وَخَرَجَ قَوْلُهُ: أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا مَخْرَجَ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ. وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي يَحْسُنُ فِيهَا " إِنِ " الَّتِي تَأْتِي بِمَعْنَى الْجَزَاءِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ فَهُوَ فِي لَفْظِ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لَا مَلُومَةً ... لَدَيْنَا وَلَا مَقْلِيَّةً إِنْ تَقَلَّتِ
فَكَذَلِكَ قَوْلُ: أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا إِنَّمَا مَعْنَاهُ: إِنْ تُنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمُ اهـ. إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ هَذَا تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ قَبُولِ نَفَقَاتِهِمْ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ إِنْفَاقَكُمْ طَائِعِينَ أَوْ مُكْرَهِينَ سِيَّانِ فِي عَدَمِ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ وَإِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (5: 27) وَالْمُرَادُ بِالْفُسُوقِ: الْخُرُوجُ مِنْ دَائِرَةِ الْإِيمَانِ، الَّذِي هُوَ شَرْطٌ لِقَبُولِ الْأَعْمَالِ مَعَ الْإِخْلَاصِ، وَهُوَ كَثِيرُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْقُرْآنِ - وَتَخْصِيصُهُ بِالْمَعَاصِي مِنِ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ، فَلْيَعْتَبِرْ بِهَذَا مُنَافِقُو هَذَا الزَّمَانِ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ، وَيُعْلِنُونَ أَمْرَهَا فِي صُحُفِ الْأَخْبَارِ؛ لِيَشْتَهِرُوا بِهَا فِي الْأَقْطَارِ. ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى مَا فِي هَذَا التَّعْلِيلِ مِنَ الْإِجْمَالِ فَقَالَ: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ أَيْ: وَمَا مَنَعَهُمْ قَبُولَ نَفَقَاتِهِمْ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا كَفْرُهُمْ بِاللهِ وَصِفَاتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْحَقِّ، وَمِنْهَا الْحِكْمَةُ وَالتَّنَزُّهُ عَنِ الْعَبَثِ فِي خَلْقِ الْخَلْقِ وَهِدَايَتِهِمْ وَجَزَائِهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَكُفْرِهِمْ بِرِسَالَةِ رَسُولِهِ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: (تُقْبَلُ) بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَقَرَأَهَا حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالتَّحْتِيَّةِ، وَتَأْنِيثُ النَّفَقَاتِ لَفْظِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ فَيَجُوزُ تَذْكِيرُ فِعْلِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 416
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست