responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 374
مَا قَضَتْ بِهِ إِرَادَتُهُ وَمَضَتْ بِهِ سُنَّتُهُ مِنْ نَصْرِ رُسُلِهِ وَبَيَّنَهُ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (37: 171 - 173) وَقَوْلُهُ: كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي (58: 21) فَهَذِهِ كَلِمَةُ اللهِ الْإِرَادِيَّةُ الْقَدَرِيَّةُ الَّتِي كَانَ مِنْ مُقْتَضَاهَا وَعْدُهُ لِرَسُولِهِ الْأَعْظَمِ بِالنَّصْرِ. وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ كَلِمَتَهُ هُنَا بِمَا وَعَدَهُ مِنْ إِحْبَاطِ كَيْدِهِمْ وَرَدِّ مَكْرِهِمْ فِي نُحُورِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي تَتِمَّةِ الْآيَةِ: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (8: 30) وَمَا قُلْنَاهُ هُوَ الْأَصْلُ وَالْقَوْلُ الْفَصْلُ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ.
وَقَدْ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَكَلِمَةُ اللهِ بِالرَّفْعِ لِإِفَادَةِ أَنَّهَا الْعُلْيَا الْمَرْفُوعَةُ بِذَاتِهَا لَا بِجَعَلٍ
وَتَصْيِيرٍ، وَلَا كَسْبٍ وَتَدْبِيرٍ، وَقَرَأَهَا يَعْقُوبُ بِالنَّصْبِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْقِرَاءَتَيْنِ مَعًا أَنَّهَا هِيَ الْعُلْيَا بِالذَّاتِ، ثُمَّ بِمَا يَكُونُ مِنْ تَأْيِيدِ اللهِ لِأَهْلِهَا الْقَائِمِينَ بِحُقُوقِهَا بِجَعْلِهِمْ بِهَا أَعْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ كَمَا قَالَ: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (3: 139) وَبِجَعْلِهَا بِهِمْ ظَاهِرَةٌ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ تَعْلُو كُلَّ مَا يُخَالِفُهَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ. فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ إِرَادَتُهُ تَعَالَى وَمَضَتْ بِهِ سُنَّتُهُ مِنْ نَصْرِ رُسُلِهِ، وَإِظْهَارِ دِينِهِ (وَهِيَ كَلِمَةُ التَّكْوِينِ) فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مَا تَتَعَلَّقُ مَشِيئَتُهُ تَعَالَى بِهِ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، لَا يُوجَدُ مَا يُعَارِضُهُ فَيَعْلُوَ عَلَيْهِ أَوْ يُسَاوِيَهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أُرِيدَ بِهَا الْخَبَرَ الْإِلَهِيَّ، بِهَذَا النَّصْرِ وَالْوَعْدِ بِهِ، الَّذِي هُوَ بَيَانٌ لِهَذِهِ السُّنَّةِ، الَّتِي هِيَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ صِفَةِ الْإِرَادَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِمَّا أَوْحَاهُ إِلَيْهِمْ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (40: 51) إِلَى آخِرِ قَوْلِهِ الْحَقِّ: وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ (22: 47) وَالْخَبَرُ وَالْوَعْدُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ صِفَةِ الْكَلَامِ. فَكَلِمَةُ التَّكْوِينِ الْإِرَادِيَّةُ، وَكَلِمَةُ التَّكْلِيفِ الْخَبَرِيَّةُ مُتَّحِدَتَانِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ.
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ أَوْ دِينُهُ تَعَالَى الْمَبْنِيُّ عَلَى أَسَاسِ تَوْحِيدِهِ فَالنَّظَرُ فِيهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) مَضْمُونُ الْكَلِمَةِ فِي الْوَاقِعِ، وَهُوَ وَحْدَانِيَّتُهُ تَعَالَى، وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ قَطْعِيَّةٌ قَامَتْ عَلَيْهَا الْبَرَاهِينُ، وَكَذَا إِنْ أُرِيدَ بِهَا هَذَا الدِّينُ عَقَائِدُهُ وَأَحْكَامُهُ وَآدَابُهُ إِذْ يُقَالُ: إِنَّهُ كَلِمَةُ التَّكْلِيفِ أَوْ كَلِمَاتُهُ - فَهَذِهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ صِفَةِ الْكَلَامِ الْإِلَهِيَّةِ لَهَا صِفَةُ الْعُلْيَا بَيَانًا وَبُرْهَانًا وَحِكْمَةً وَرَحْمَةً وَفَضْلًا، وَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِهَا صِدْقًا فِي الْأَخْبَارِ. وَعَدْلًا فِي الْأَحْكَامِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6: 115) و (الْوَجْهُ الثَّانِي) إِقَامَةُ الْمُكَلَّفِينَ لَهَا بِمَعْنَيَيْهَا، وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ فِي الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ وَالْأَخْلَاقِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْأَعْمَالِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَدْ تَخْفَى عُلْوِيَّتُهَا عَلَى النَّاسِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، إِذْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا فِي صِفَاتِ الْمُدَّعِينَ لَهَا، وَأَعْمَالِهِمْ لَا فِي ذَاتِهَا، وَقَدْ يَكُونُ هَؤُلَاءِ غَيْرَ قَائِمِينَ بِهَا، وَلَا مُقِيمِينَ لَهَا، وَمِنْ
عَجَائِبِ مَا رُوِيَ لَنَا مِنْ إِدْرَاكِ بَعْضِ الْإِفْرِنْجِ لِعُلْوِيَّةِ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى بِسَعَةِ عِلْمِهِ وَعَقَلِهِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 374
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست