responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 368
إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ (إِلَّا) مُرَكَّبَةٌ مِنْ " إِنْ " الشَّرْطِيَّةِ وَ " لَا " النَّافِيَةُ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ كَإنْ لَمْ لِلْمَاضِي أَيْ: إِلَّا تَنْفِرُوا كَمَا أَمَرَكُمُ الرَّسُولُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُعَذِّبْكُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا يُهْلِكْكُمْ بِهِ بِعِصْيَانِكُمْ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْكُمْ، وَيَسْتَبْدِلْ بِكُمْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ، قِيلَ: كَأَهْلِ الْيَمَنِ وَأَبْنَاءِ فَارِسَ، وَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ لِلتَّهْدِيدِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الشَّرْطُ وَلَا جَزَاؤُهُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ قَوْمٌ يُطِيعُونَهُ وَيُطِيعُونَ رَسُولَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَعَدَ بِنَصْرِهِ، وَإِظْهَارِ دِينِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِأَيْدِيكُمْ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِأَيْدِي غَيْرِكُمْ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ (22: 47) قَالَ تَعَالَى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ (5: 54) الْآيَةَ، وَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ لِلْأُمَمِ الَّتِي تَتَثَاقَلُ عَنِ الدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِهَا، وَحِفْظِ حَقِيقَتِهَا وَسِيَادَتِهَا، وَلَا تَتِمُّ فَائِدَةُ الْقُوَّةِ الدِّفَاعِيَّةِ وَالْهُجُومِيَّةِ إِلَّا بِطَاعَةِ الْإِمَامِ وَالْقَائِدِ الْعَامِّ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْقَائِدُ هُوَ النَّبِيُّ الْمَوْعُودُ مِنْ رَبِّهِ الْعَزِيزِ الْقَدِيرِ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ، وَهَلَاكِ مَنْ عَصَاهُ وَخَذَلَهُ؟ .
وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا أَيْ: وَلَا تَضُرُّوهُ تَعَالَى شَيْئًا مَا مِنَ الضَّرَرِ فِي تَثَاقُلِكُمْ عَنْ طَاعَتِهِ وَنُصْرَةِ رَسُولِهِ؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَنْ يَبْلُغَ أَحَدٌ ضُرَّهُ وَلَا نَفْعَهُ، بَلْ هُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ، وَكُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مُسَخَّرٌ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ
جَعَلَ لِلْبَشَرِ شَيْئًا مِنَ الِاخْتِيَارِ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَلْقَوْنَ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ: وَلَا تَضُرُّوا رَسُولَهُ بِتَثَاقُلِكُمْ فَإِنَّهُ عَصَمَهُ مِنَ النَّاسِ، وَكَفَلَ لَهُ النَّصْرَ بِقَرِينَةِ الْآيَةِ الْآتِيَةِ: وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمِنْهُ إِهْلَاكُكُمْ إِنْ أَصْرَرْتُمْ عَلَى الْعِصْيَانِ، وَتَوَلَّيْتُمْ عَنْ إِقَامَةِ دِينِهِ، وَإِتْمَامِ نُورِهِ، وَنَصْرِ رَسُولِهِ بِقَوْمٍ آخَرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ (5: 54) كَمَا قَالَ فِي آخِرِ سُورَةِ الْقِتَالِ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (47: 38) وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الرَّوَافِضِ أَنَّهُ لَوْلَا ثَبَاتُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ وَالنَّفَرِ الَّذِينَ كَانُوا حَوْلَ بَغْلَةِ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَوْمَ حُنَيْنٍ لَقُتِلَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَذَهَبَ دِينُهُ فَلَمْ تَقُمْ لَهُ قَائِمَةٌ، وَاللهُ أَكْبَرُ مِنْ جَهْلِهِمْ، وَرَسُولُهُ أَعْظَمُ عِنْدَهُ مِمَّنْ ثَبَتَ، وَمِمَّنْ لَمْ يَثْبُتْ حَوْلَ بَغْلَتِهِ، وَوَعْدُهُ أَصْدَقُ مِنْ غُلُوِّهِمْ فِي رَفْضِهِمْ، وَهَاكَ مِنْ حُجَجِ كِتَابِهِ مَا يَزِيدُ شُبْهَةَ بِدْعَتِهِمُ افْتِضَاحًا، وَحُجَّةَ السُّنَّةِ وَأَهْلِهَا اتِّضَاحًا.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا أَيْ: إِلَّا تَنْصُرُوا الرَّسُولَ الَّذِي اسْتَنْفَرَكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ عَلَى مَنْ أَرَادُوا قِتَالَهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ فَسَيَنْصُرُهُ اللهُ بِقُدْرَتِهِ وَتَأْيِيدِهِ، كَمَا نَصَرَهُ إِذْ أَجْمَعَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْفَتْكِ بِهِ، وَأَخْرَجُوهُ مِنْ دَارِهِ وَبَلَدِهِ. أَيِ: اضْطَرُّوهُ إِلَى الْخُرُوجِ وَالْهِجْرَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ - وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي التَّنْزِيلِ ذِكْرُ إِخْرَاجِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 368
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست