responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 357
هَاتَانِ الْآيَتَانِ عَوْدٌ إِلَى الْكَلَامِ فِي أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَمَا يُشْرَعُ مِنْ مُعَامَلَتِهِمْ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَسُقُوطِ عَصَبِيَّةِ الشِّرْكِ، وَكَانَ الْكَلَامُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَمَا يَجِبُ أَنْ يَنْتَهِيَ بِهِ مِنْ إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِطْرَادِ، اقْتَضَاهُ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنْ أَحْكَامِ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَمُعَامَلَتِهِمْ. وَقَدْ خُتِمَ الْكَلَامُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ بِبَيَانِ حَالِ كَثِيرٍ مِنْ رِجَالِ الدِّينِ الَّذِينَ أَفْسَدَتْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمُ الْمَطَامِعُ الْمَالِيَّةُ، الَّتِي هِيَ وَسِيلَةُ الْعَظَمَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَالشَّهَوَاتِ الْحَيَوَانِيَّةِ، وَإِنْذَارِ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُمْ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَجُعِلَ هَذَا الْإِنْذَارُ مُوَجَّهًا إِلَيْنَا وَإِلَيْهِمْ جَمِيعًا. وَمِنْ ثَمَّ كَانَ التَّنَاسُبُ بَيْنَ الْكَلَامِ فِيمَا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْوَعِيدِ عَلَى أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَكَنْزِ النَّقْدَيْنِ، إِلَى مَا يَجِبُ أَنْ يُخَالِفُوا فِيهِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ إِبْطَالِ النَّسِيءِ، وَمِنْ أَحْكَامِ الْقِتَالِ - تَنَاسُبًا ظَاهِرًا قَوِيًّا، وَهُنَالِكَ مُنَاسَبَةٌ دَقِيقَةٌ بَيْنَ حِسَابِ الشُّهُورِ الْقَمَرِيَّةِ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَحِسَابِ الشُّهُورِ الشَّمْسِيَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِمُخَالَفَتِهِمْ فِي حِسَابِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ.
الْمُرَادُ الشُّهُورُ الَّتِي تَتَأَلَّفُ مِنْهَا السَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ وَوَاحِدُهَا شَهْرٌ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْهِلَالِ أَوِ الْقَمَرِ مِنْ مَادَّةِ الشُّهْرَةِ، ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهِ الْأَيَّامُ مِنْ أَوَّلِ ظُهُورِ الْهِلَالِ إِلَى سِرَارِهِ، وَمَبْلَغُ عِدَّتِهَا اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِيمَا كَتَبَهُ اللهُ، وَأَثْبَتَهُ مِنْ نِظَامِ سَيْرِ الْقَمَرِ وَتَقْدِيرِهِ مَنَازِلَ، يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى هَذَا الْوَضْعِ الْمَعْرُوفِ لَنَا مِنْ لَيْلٍ وَنَهَارٍ إِلَى الْآنِ، وَالْمُرَادُ بِيَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ: الْوَقْتُ الَّذِي خَلَقَهُمَا فِيهِ بِاعْتِبَارِهِ تَمَامَهُ وَنِهَايَتَهُ فِي جُمْلَتِهِ، وَهُوَ سِتَّةُ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ التَّكْوِينِ بِاعْتِبَارِ تَفْصِيلِهِ وَخَلْقِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَمَا فِيهِمَا.
فَالْكِتَابُ يُطْلَقُ عَلَى نِظَامِ الْخَلْقِ وَالتَّقْدِيرِ وَالسُّنَنِ الْإِلَهِيَّةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ
كَالشَّيْءِ الْمَكْتُوبِ الْمَحْفُوظِ الَّذِي لَا يُنْسَى، أَوْ لِأَنَّهُ تَعَالَى كَتَبَ كُلَّ نِظَامٍ عَنْ خَلْقِهِ فِي كِتَابٍ عِنْدَهُ فِي عَالَمِ الْغَيْبِ يُسَمَّى اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، وَقَدْ فُسِّرَ بِهِ الْكِتَابُ هُنَا. قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مُوسَى فِي جَوَابِهِ لِفِرْعَوْنَ عَلَى سُؤَالِهِ عَنِ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ: قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (20: 52) وَقَالَ: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (13: 38) وَقَالَ: كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ (58: 22) وَقَالَ: وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ (59: 3) وَهَذَا كُلُّهُ بِمَعْنَى النِّظَامِ الْإِلَهِيِّ الْقَدَرِيِّ. وَتَقَدَّمَ بَحْثُ كِتَابَةِ الْمَقَادِيرِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِكِتَابِ اللهِ هُنَا حُكْمُهُ التَّشْرِيعِيُّ لَا نِظَامُهُ التَّقْدِيرِيُّ، وَمِنْهُ حُرْمَةُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَكَوْنُ الْحَجِّ أَشْهُرًا مَعْلُومَاتٍ، وَمِنْ أَحْكَامِ كِتَابِ اللهِ التَّشْرِيعِيَّةِ أَنَّ كُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِحِسَابِ الشُّهُورِ وَالسِّنِينَ كَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَعِدَّةِ الْمُطَلَّقَاتِ وَالرَّضَّاعِ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَشْهُرُ الْقَمَرِيَّةُ. وَحِكْمَتُهُ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 357
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست