responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 355
وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ تَفْنَى بِخَرَابِ الدُّنْيَا، وَصَيْرُورَةِ الْأَرْضِ بِقِيَامِ السَّاعَةِ هَبَاءً مُنْبَثًا، وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا أُجِيبَ عَنِ الْقَوْلِ بِإِعَادَةِ الْأَجْسَادِ بِأَعْيَانِهَا مِنْ قُدْرَةِ اللهِ ـ تَعَالَى ـ عَلَى ذَلِكَ، وَأَهْوَنُ مِنْهُ إِيرَادُ كَوْنِ الدِّرْهَمِ أَوِ الدِّينَارِ الْوَاحِدِ قَدْ يَكْنِزُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ بِالتَّدَاوُلِ، وَقَدْ يُقَالُ إِنَّهُمْ جَسَدًا لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَالْحِيتَانِ وَالْوُحُوشِ وَالْأَنْعَامِ، وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُ هَذَا فِي الْكَلَامِ عَلَى بَعْثِ الْأَجْسَادِ مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ. وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ الْمَكْنُوزَةَ تُحْمَى كُلُّهَا وَإِنْ كَثُرَتْ وَيَتَّسِعُ جَسَدُهُ لَهَا كُلِّهَا حَتَّى لَا يُوضَعَ دِينَارٌ مَكَانَ دِينَارٍ، وَلَمْ يَصِحَّ هَذَا مَرْفُوعًا، وَإِنَّمَا صَحَّ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " مَا مِنْ رَجُلٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ إِلَّا
جُعِلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبْهَتُهُ وَظَهْرُهُ " الْحَدِيثَ. وَالصَّفائِحُ غَيْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَهِيَ بِالرَّفْعِ نَائِبُ الْفَاعِلِ لِجُعِلَ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِمَّا يَخْلُقُهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَرِوَايَةُ الرَّفْعِ هِيَ الْمَشْهُورَةُ. قَالَ الشُّرَّاحُ وَفِي رِوَايَةٍ بِالنَّصْبِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ عَنْهُ مَرْفُوعًا أَيْضًا: " مَنْ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ شُجَاعٌ أَقْرَعُ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةَ فَيَأْخُذُ بِلَهْزَمَتَيْهِ، يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ " ثُمَّ تَلَا ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ آيَةَ: (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ: " إِنَّ الَّذِي لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ، فَيَلْزَمُهُ أَوْ يُطَوِّقُهُ، يَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ أَنَا كَنْزُكَ " فَهَذَا نَصٌّ صَحِيحٌ مِنَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّ ذَلِكَ التَّعْذِيبَ بِجَعْلِ الْمَالِ صَفَائِحَ يُكْوَى بِهَا مَانِعُ الزَّكَاةِ أَوْ شُجَاعًا (وَهُوَ ذَكَرُ الْحَيَّاتِ) يُطَوِّقُهُ إِنَّمَا هُوَ ضَرْبٌ مِنَ التَّمْثِيلِ، أَوِ التَّخْيِيلِ، لَا نَفْسُ الْمَالِ الَّذِي كَانَ يَكْنِزُهُ فِي الدُّنْيَا، وَبِهِ يَبْطُلُ كُلُّ إِيرَادٍ وَيَزُولُ كُلُّ إِشْكَالٍ، وَالتَّعْذِيبُ حَقِيقِيٌّ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
(فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ) ، الَّتِي كَانُوا يَسْتَقْبِلُونَ بِهَا النَّاسَ مُنْبَسِطَةً أَسَارِيرُهَا مِنَ الِاغْتِبَاطِ بِعَظَمَةِ الثَّرْوَةِ ـ وَيَسْتَقْبِلُونَ بِهَا الْفُقَرَاءَ مُنْقَبِضَةً مُتَغَضِّنَةً مِنَ الْعُبُوسِ وَالتَّقْطِيبِ فِي وُجُوهِهِمْ؛ لِيُنَفُرُوا وَيُحْجِمُوا عَنِ السُّؤَالِ، (وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ) الَّتِي كَانُوا يَتَقَلَّبُونَ بِهَا عَلَى سُرُرِ النِّعْمَةِ اضْطِجَاعًا وَاسْتِلْقَاءً، وَيُعْرِضُونَ بِهَا عَنْ لِقَاءِ الْمَسَاكِينِ، وَطُلَّابِ الْحَاجَاتِ ازْوِرَارًا وَإِدْبَارًا، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي جَهَنَّمَ ارْتِفَاقٌ وَلَا اسْتِرَاحَةٌ فِيمَا سِوَى الْوُقُوفِ إِلَّا بِالِانْكِبَابِ عَلَى وُجُوهِهِمْ كَمَا قَالَ: (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) (54: 48) ، وَكَذَلِكَ قَالَ هُنَا: (هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) ، أَيْ تَقُولُ لَهُمْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ كَيَّهُمْ: هَذَا الْعَذَابُ الْأَلِيمُ الْوَاقِعُ بِكُمْ هُوَ جَزَاءُ مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ فِي الدُّنْيَا، أَوْ هَذَا الْمِيسَمُ الَّذِي تُكْوَوْنَ بِهِ هُوَ الْمَالُ الَّذِي كَنَزْتُمُوهُ لِأَنْفُسِكُمْ لِتَتَفَرَّدُوا بِالتَّمَتُّعِ بِهِ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 355
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست