responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 34
وَإِنْكِلْتِرَةَ - وَبَيْنَ الشُّعُوبِ
اللَّاتِينِيَّةِ وَالشُّعُوبِ " الْأَنْجُلُوسَكْسُونِيَّةِ " عَامَّةً - فِي الْأَخْلَاقِ، وَمَا لِذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ فِي حَيَاةِ الْفَرِيقَيْنِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالسِّيَاسَةِ وَالِاسْتِعْمَارِيَّةِ وَالتِّجَارِيَّةِ.
وَمِنْ كَلَامِهِ فِي تَأْثِيرِ الْأَخْلَاقِ فِي تَرَقِّي الْأُمَمِ وَتَدَلِّيهَا وَقُوَّتِهَا وَضَعْفِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، قَوْلُهُ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِهِ (رُوحُ الِاشْتِرَاكِيَّةِ) وَمَوْضُوعُهُ (نَفْسِيَّةُ الشُّعُوبِ) : وَأَذْكُرُ هُنَا مَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ كَثِيرًا فِي كُتُبِي الْأَخِيرَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْأُمَمَ لَا تَنْحَطُّ وَتَزُولُ إِذَا تَنَاقَصَ ذَكَاءُ أَبْنَائِهَا، بَلْ إِذَا سَقَطَتْ أَخْلَاقُهَا. هَذِهِ سُنَّةٌ طَبِيعِيَّةٌ جَرَتْ أَحْكَامُهَا عَلَى الْيُونَانَ وَالرُّومَانِ، وَأَخَذَتْ تَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيْضًا، لَا يَزَالُ أَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَفْقَهُونَ هَذَا الْقَوْلَ، وَيُجَادِلُونَ فِي صِحَّتِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ أَخَذَ يَنْتَشِرُ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ مُفَصَّلًا فِي كِتَابٍ وَضَعَهَ حَدِيثًا الْكَاتِبُ الْإِنْكِلِيزِيُّ (الْمِسْتَرْ بِنْيَامِينُ كِيد) وَلَا أَرَى لِتَأْيِيدِ قَضِيَّتِي أَفْضَلَ مِنِ اقْتِبَاسِ بَعْضِ عِبَارَاتٍ عَنْهُ بَيَّنَ فِيهَا - مُنْصِفًا غَيْرَ مُحَابٍ - الْفَرْقَ بَيْنَ الْخُلُقِ (الْأَنْجُلُوسَكْسُونِيِّ) وَالْخُلُقِ الْفَرَنْسَوِيِّ وَنَتَائِجَ هَذَا الْفَرْقَ اهـ. (ص104 و105) مِنَ التَّرْجَمَةِ الْعَرَبِيَّةِ.
ثُمَّ أَوْرَدَ شَوَاهِدَ مِنْهُ عَلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ مُرَادِهِ، وَبَيَانِ تَفَوُّقِ الْإِنْكِلِيزِ عَلَى الْفَرَنْسِيسِ بِأَخْلَاقِهِمْ، فَإِنَّ فَسَادَ الْأَخْلَاقِ الَّذِي أَهْلَكَ الْأُمَمَ التَّارِيخِيَّةَ الشَّهِيرَةَ كَالْفُرْسِ وَالْيُونَانِ وَالرُّومَانِ وَالْعَرَبِ قَدْ دَبَّ إِلَى الْإِفْرِنْجِ، وَكَانَ بَدْءُ فَتْكِهِ بِاللَّاتِينِ وَلَا سِيَّمَا الْفَرَنْسِيسُ مِنْهُمْ، فَقَلَّ نَسْلُهُمْ، وَصَارُوا يَرْجِعُونَ الْقَهْقَرِيَّ أَمَامَ الْإِنْكِلِيزِ وَإِخْوَانِهِمِ الْأَمِيرِكَانِيِّينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، دَعِ الْأَلْمَانَ الَّذِينَ فَاقُوا الْفَرِيقَيْنِ.
وَقَدْ دَبَّ هَذَا الْفَسَادُ الْأَخْلَاقِيُّ إِلَى الْإِنْكِلِيزِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ أَعْظَمُ فَلَاسِفَتِهِمْ (هِرْبِرْت سِبِنْسَر) الشَّهِيرُ لِأُسْتَاذِنَا الشَّيْخِ (مُحَمَّد عَبْدُهُ) وَسَبَقَ نَقْلُهُ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ مِنْ أَنَّ الْأَفْكَارَ الْمَادِّيَّةَ الَّتِي أَفْسَدَتْ أَخْلَاقَ اللَّاتِينَ فِي أُورُبَّةَ قَدْ دَبَّتْ إِلَى الْإِنْكِلِيزِ، وَأَخَذَتْ تَفْتِكُ بِأَخْلَاقِهِمْ، وَأَنَّهَا سَتُفْسِدُ أُورُبَّةَ كُلَّهَا.
وَمِنَ الْغَرِيبِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يَغْفُلُ عَنْهُ أَكْثَرُ الْمُتَعَلِّمِينَ فِي هَذَا
الْعَصْرِ بَعْدَ اتِّسَاعِ نِطَاقِ عِلْمِ الِاجْتِمَاعِ، وَكَثْرَةِ الْمُصَنَّفَاتِ فِيهِ، وَكَثْرَةِ مَا يُكْتَبُ فِي الصُّحُفِ الْعَامَّةِ فِي مَوْضُوعِ الْأَخْلَاقِ، وَتَأْثِيرِهَا فِي أَحْوَالِ الْأَفْرَادِ وَالْأُمَمِ، حَتَّى قَالَ غُوسْتَاف لُوبُون: أَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَفْقَهُونَ هَذَا الْقَوْلَ بَلْ يُجَادِلُونَ فِي صِحَّتِهِ، فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى كَوْنِهَا صَارَتْ مَعْرُوفَةً لِلْجَمَاهِيرِ لَا تَزَالُ مَوْضِعَ مِرَاءٍ وَجِدَالٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ الْعَالِي الَّتِي لَا يَفْقَهُهَا إِلَّا أَصْحَابُ الْبَصِيرَةِ النَّافِذَةِ، وَالْمَعْرِفَةِ الْمُمَحِّصَةِ. وَلَوْ فَقِهَهَا الْجُمْهُورُ لَكَانَ لَهَا الْأَثَرُ الصَّالِحُ فِي أَعْمَالِهِ. وَإِنَّنَا لَنَرَى الْأُلُوفَ فِي بِلَادِنَا يَتَمَثَّلُونَ بِقَوْلِ أَحْمَدَ شَوْقِي بِكْ أَشْهَرِ شُعَرَاءِ الْعَصْرِ:
وَإِنَّمَا الْأُمَمُ الْأَخْلَاقُ مَا بَقِيَتْ ... فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلَاقُهُمْ ذَهَبُوا

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 34
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست