responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 339
أَوْ عَلَى الْخَبَرِ: أَطْلَعَهُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرَهُ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ (72: 26 و27) وَقَوْلُهُ: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ (66: 3) إِلَخْ. وَأَظْهَرَهُ عَلَى الشَّيْءِ أَوْ عَلَى الشَّخْصِ جَعَلَهُ فَوْقَهُ مُسْتَعْلِيًا عَلَيْهِ. وَالِاسْتِعْلَاءُ هُنَا بِالْعِلْمِ وَالْحُجَّةِ، أَوِ السِّيَادَةِ وَالْغَلَبَةِ، أَوِ الشَّرَفِ وَالْمَنْزِلَةِ، أَوْ بِهَا كُلِّهَا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَإِنْ كَانَ الْوَعْدُ يَصْدُقُ بِبَعْضِهَا، وَالدِّينُ جِنْسٌ يَشْمَلُ كُلَّ دِينٍ.
وَفِي الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ هُنَا قَوْلَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لِلرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ وَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ أَنَّهُ تَعَالَى يُظْهِرُ هَذَا الرَّسُولَ عَلَى كُلِّ مَا يَحْتَاجُ
إِلَيْهِ الْمُرْسَلُ هُوَ إِلَيْهِمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ عَقَائِدِهِ وَآدَابِهِ وَسِيَاسَتِهِ وَأَحْكَامِهِ ; لِأَنَّ مَا أَرْسَلَهُ بِهِ هُوَ الدِّينُ الْأَخِيرُ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ الْبَشَرُ بَعْدَهُ إِلَى زِيَادَةٍ فِي الْهِدَايَةِ الدِّينِيَّةِ ; بَلْ يُوكَلُونَ فِيمَا وَرَاءَ نُصُوصِهِ إِلَى اجْتِهَادِهِمْ وَاخْتِبَارِهِمُ الْعِلْمِيِّ وَالْعَمَلِيِّ مَعَ الِاهْتِدَاءِ بِهَا، حَتَّى لَا يَضِلُّوا وَلَا يَتَفَرَّقُوا بِتَرْكِهَا، وَنَحْنُ نَعْلَمُ مِنْ كُتُبِ الْأَدْيَانِ وَتَارِيخِهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ، بَلْ لَا تَعْدُو كُتُبُ كُلٍّ مِنْهَا حَاجَةَ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا مِنْ قَوْمِ رَسُولِهَا، فَالْيَهُودِيَّةُ دِينُ شَعْبٍ نِسْبِيٍّ أَرَادَ اللهُ تَرْبِيَتَهُمْ بِشَرِيعَةٍ شَدِيدَةِ التَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ ; لِتَطْهِيرِهِمْ مِنَ الْوَثَنِيَّةِ وَعِبَادَةِ الْبَشَرِ، لِيُقِيمُوا التَّوْحِيدَ فِي بِلَادٍ مُبَارَكَةٍ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهَا الشِّرْكُ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ زَمَنًا مَا، ثُمَّ فَسَدُوا وَصَارَ أَكْثَرُهُمْ وَثَنِيِّينَ مَادِّيِّينَ فَبَعَثَ اللهُ إِلَيْهِمُ الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِتَعَالِيمَ شَدِيدَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي الزُّهْدِ وَمُقَاوَمَةِ الْمَفَاسِدِ الْمَادِّيَّةِ، وَكَبْحِ جِمَاحِ الشَّهَوَاتِ الْجَسَدِيَّةِ، فَكَانَ لَهُ مَا كَانَ مِنَ التَّأْثِيرِ فِيهِمْ فِي الرُّومِ وَغَيْرِهِمْ زَمَنًا مَا، وَلَكِنْ غَلَا بَعْضُهُمْ فِي الزُّهْدِ، وَعَرَضَ لَهُمْ فِيهِ الْغُرُورُ مَعَ الْجَهْلِ، وَعَادَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى الْإِسْرَافِ فِي الشَّهَوَاتِ وَالْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ، وَكَانَ هَذَا بَعْدَ ذَاكَ تَمْهِيدًا لِلدِّينِ التَّامُ الْوَسَطِ الْجَامِعِ بَيْنَ الْمَصَالِحِ الْمَادِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ، وَالْمَزَايَا الرُّوحِيَّةِ وَالْجَسَدِيَّةِ ; لِيَكُونَ عَامًّا لِلْبَشَرِ إِلَى أَنْ يَرِثَ اللهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا.
وَهَذِهِ النَّصْرَانِيَّةُ الَّتِي يَدَّعِي أَهْلُهَا أَنَّهَا دِينٌ عَامٌّ بِالرَّغْمِ مِمَّا فِي أَنَاجِيلِهَا مِنْ قَوْلِ الْمَسِيحِ لَهُمْ إِنَّهُ لَمْ يُرْسِلْ، وَلَمْ يُرْسِلْهُمْ إِلَّا إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ، يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُ قَالَ: (مت 5: 17 لَا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الْأَنْبِيَاءَ مَا جِئْتُ لِأَنْقُضَ بَلْ لِأُكْمِلَ) إِلَخْ وَنَقَلُوا عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ مَعَ هَذَا قَالَ: (يو 16: 12 إِنَّ لِي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لِأَقُولَ لَكُمْ وَلَكِنَّكُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الْآنَ 13 وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ رُوحُ الْحَقِّ فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ) إِلَخْ.
وَهَذَا لَا يَصْدُقُ وَلَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ إِلَّا بِمُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الَّذِي أَخْبَرَهُمْ وَأَخْبَرَ غَيْرَهُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ (6: 38) وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنِ اللهِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 339
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست