responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 336
الْمُشْرِكِينَ عَابِدِي الْأَصْنَامِ فِي قِتَالِ أَهْلِهِ، وَمِنْ خُذْلَانِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُمْ، وَنَصْرِ رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ، مَا بَيَّنَّاهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ، فَكَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِأَهْلِهِ كَمُشْرِكِي الْعَرَبِ سَوَاءً، وَلَمَّا عَجَزُوا عَنْ إِطْفَاءِ نُورِهِ بِمُسَاعَدَةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، قَصَدُوا إِطْفَاءَ نُورِهِ بِبَثِّ الْبِدَعِ فِيهِ، وَتَفْرِيقِ كَلِمَةِ أَهْلِهِ بِمَا فَعَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَبَأٍ مِنِ ابْتِدَاعِ التَّشَيُّعِ لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ، وَالْغُلُوِّ فِيهِ، وَإِلْقَاءِ الشِّقَاقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْخِلَافَةِ، وَكَانَ لِشِيعَتِهِ مِنَ الدَّسَائِسِ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ ثُمَّ فِي الْفِتْنَةِ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ أَقْبَحُ التَّأْثِيرِ، وَلَوْلَاهُمْ لَمَا قُتِلَ أُولَئِكَ الْأُلُوفُ الْكَثِيرُونَ مِنْ صَنَادِيدَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ السَّعْيَ إِلَى الصُّلْحِ وَالِاتِّفَاقِ نَجَحَ غَيْرَ مَرَّةٍ فَأَفْسَدُوهُ بِدَسَائِسِهِمْ، ثُمَّ كَانَ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ وَالْقِيَامَ بِفَرَائِضِهِ نِفَاقًا مَكِيدَةٌ أُخْرَى لَا تَزَالُ مَفَاسِدُهَا مَبْثُوثَةً فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّارِيخِ، وَهِيَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتُ الَّتِي بَيَّنَّا بَعْضَهَا فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ، وَلَا نَزَالُ نُبَيِّنُ مَا يَعْرِضُ لَنَا فِيهِ وَفِي الْمَنَارِ.
وَأَمَّا النَّصَارَى فَقَدْ كَانَ الْحَبَشَةُ مِنْهُمْ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ الْمَوَدَّةَ لَهُمْ، وَأَكْرَمَ مَلِكُهُمُ النَّجَاشِيُّ مَنْ لَجَأَ مِنْ مُهَاجِرِهِمْ، وَمَنَعَهُمْ مَنْ تَعَدِّي الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ، بَلْ أَسْلَمَ هُوَ عَلَى أَيْدِيهِمْ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى (5: 82) الْآيَةَ، ثُمَّ انْقَلَبَ الْأَمْرُ وَانْعَكَسَتِ الْقَضِيَّةُ بَعْدَ انْتِشَارِ الْإِسْلَامِ وَرَاءَ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَكَانَ الْيَهُودُ يَتَوَدَّدُونَ لِلْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّهُمْ أَنْقَذُوهُمْ مِنْ ظُلْمِ النَّصَارَى وَاسْتِبْدَادِهِمْ، وَصَارَ نَصَارَى أُورُبَّةَ الْمُسْتَعْمِرُونَ لِلْمَمَالِكِ الشَّرْقِيَّةِ هُمُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ الْمُسْلِمِينَ وَيُعَادُونَهُمْ، دُونَ نَصَارَى هَذِهِ الْبِلَادِ وَلَا سِيَّمَا سُورِيَةُ وَمِصْرُ الْأَصْلِيِّينَ، فَإِنَّهُمْ رَأَوْا مِنْ عَدْلِ الْمُسْلِمِينَ وَفَضَائِلِهِمْ مَا فَضَّلُوهُمْ بِهِ عَلَى الرُّومُ الَّذِينَ كَانُوا يَظْلِمُونَهُمْ وَيَحْتَقِرُونَهُمْ، حَتَّى آلَ الْأَمْرُ إِلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ مِنَ الْحُرُوبِ الصَّلِيبِيَّةِ وَغُلُوِّ نَصَارَى أُورُبَّةَ فِي عَدَاوَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا بَيَّنَّاهُ قَبْلَهَا فِي تَفْسِيرِ قِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ حَالِ مُسْلِمِي هَذَا الْعَصْرِ مَعَ دُوَلِ أُورُبَّةَ الْمُسْتَوْلِيَةِ عَلَى أَكْثَرِ بِلَادِهِمْ، الْمُهَدِّدَةِ لَهُمْ فِيمَا بَقِيَ لَهُمْ مِنْ مَهْدِ دِينِهِمْ وَمَشَاعِرِهِ وَحَرَمِ اللهِ وَرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ.
وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَةِ الصَّفِّ بِمِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ هُنَالِكَ: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ (61: 8) وَبَاقِي الْآيَةِ وَنَصُّ الْآيَةِ بَعْدَهَا كَآيَتَيْ بَرَاءَةَ سَوَاءً. فَأَمَّا قَوْلُهُ: لِيُطْفِئُوا فَمِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ بِمَعْنَى " أَنْ يُطْفِئُوا " ; لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ وَالْمُعَلَّلُ مَحْذُوفٌ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 336
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست