responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 334
عَنْهُ بِإِرَادَةِ إِطْفَاءِ النُّورِ ; لِأَنَّهُ تَمْثِيلٌ لِحَالِهِمْ مَعَهُ. وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ إِفْسَادِهِمْ فِي دِينِهِمْ فَمِنْهُ مَا كَانَ بِقَصْدٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُبْتَدِعِينَ فِيهِ، وَلَا سِيَّمَا الرُّومُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا النَّصْرَانِيَّةَ عَصَبِيَّةً سِيَاسِيَّةً مُنْذُ عَهْدِ قُسْطَنْطِينَ، وَمِنْهُ مَا كَانَ بِغَيْرِ قَصْدٍ إِلَى إِطْفَاءِ نُورِهِ، بَلْ كَانَ بَعْضُهُ بِقَصْدِ خِدْمَتِهِ (كَمَا فَعَلَ بَعْضُ مُبْتَدِعَةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا سَنَنَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ بِوَضْعِ الْأَحَادِيثِ وَالْعِبَادَاتِ الْمُبْتَدَعَةِ وَنَشْرِ الْخُرَافَاتِ) وَهُوَ مَا بَيَّنَّاهُ مِرَارًا فِي مَوَاضِعَ آخِرُهَا وَأَقْرَبُهَا مَا قُلْنَاهُ آنِفًا فِي هَذَا السِّيَاقِ.
قَالَ السُّدِّيُّ: الْمُرَادُ بِالنُّورِ هُنَا الْإِسْلَامُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ الْقُرْآنُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُرَادُ بِالنُّورِ الدَّلَائِلُ عَلَى التَّوْحِيدِ وَنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِأَنَّهَا يُهْتَدَى بِهَا إِلَى الْحَقِّ فِي الْعَقْلِيَّاتِ، كَمَا يُهْتَدَى بِالنُّورِ فِي رُؤْيَةِ الْحِسِّيَّاتِ، وَأَقُولُ: إِنَّ الْمَعْنَى الْجَامِعَ بَيْنَ النُّورِ الْحِسِّيِّ وَالنُّورِ الْمَعْنَوِيِّ هُوَ أَنَّهُ الشَّيْءُ الظَّاهِرُ فِي نَفْسِهِ الْمُظْهِرُ لِغَيْرِهِ، وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: إِنَّ النُّورَ الْمَعْنَوِيَّ لِلْبَصِيرَةِ كَالنُّورِ
الْحِسِّيِّ لِلْبَصَرِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (5: 15) أَنَّ فِي هَذَا النُّورِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا وَبَيَّنَّا وَجْهَ كُلٍّ مِنْهَا، وَاخْتَرْنَا الثَّالِثَ مِنْهَا وَهُوَ الْقُرْآنُ لِمُوَافَقَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (4: 174) وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي رَسُولِهِ الْأَعْظَمِ: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (7: 157) وَقَوْلِهِ: فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (64: 8) وَأَمَّا التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِنَّ فِيهِ نُورًا وَهُدًى (5: 44، 46) وَلَمْ يَجْعَلْهُ عَيْنَ النُّورِ كَالْقُرْآنِ. وَنَخْتَارُ هُنَا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ بِالْمَعْنَى الْعَامِّ الشَّامِلِ كُلَّ مَا جَاءَ بِهِ رُسُلُ اللهِ، وَلَا سِيَّمَا دِينُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَقَدْ كَانَ كُلٌّ مِنْهَا نُورًا لِأَهْلِهِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ، حَتَّى إِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ كَانَ هُوَ النُّورَ الْأَعْظَمَ الْكَافِيَ لِهِدَايَةِ جَمِيعِ الْبَشَرِ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، وَلِلَّهِ دَرُّ الْبُوصِيرِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي لَامِيَّتِهِ بَعْدَ ذِكْرِ تِلْكَ الْكُتُبِ:
اللهُ أَكْبَرُ إِنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ... وَكِتَابَهُ أَقْوَى وَأَقْوَمُ قِيلًا
لَا تَذْكُرُوا الْكُتُبَ السَّوَالِفَ عِنْدَهُ ... طَلَعَ الصَّبَاحُ فَأَطْفِئِ الْقِنْدِيلَا
نَعَمْ إِنَّ الْقَوْمَ قَدْ أَطْفَئُوا جُلَّ ذَلِكَ النُّورِ فَزَجُّوا بِأَنْفُسِهِمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يَلُوحُ لَهُمْ فِيهَا إِلَّا وَمِيضٌ ضَئِيلٌ مِنْهُ، وَهُمْ يُرِيدُونَ إِطْفَاءَ الْآخِرِ الْأَخِيرِ أَيْضًا. وَالنُّورُ الْحِسِّيُّ قَدْ يُطْفَأُ بِنَفْخِ الْفَمِ كَسُرُجِ الزَّيْتِ الْقَدِيمَةِ، وَإِطْفَاؤُهُ: إِزَالَتُهُ وَإِطْفَاءُ النَّارِ: إِزَالَةُ
لَهَبِهَا وَاتِّقَادُ جَمْرِهَا مَعًا، فَهُوَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 334
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست