responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 255
مَا عَلِمْنَا مِنْ ضَيَاعِ بَعْضِهَا وَانْقِطَاعِ سَنَدِ مَا بَقِيَ مِنْهَا، وَالْعَهْدُ قَرِيبٌ، فَلَا غَرْوَ أَنْ يَكُونَ مَا سَبَقَهَا مِنَ الْكُتُبِ أَضْيَعَ - وَالْعَهْدُ بَعِيدٌ أَيُّ بِعِيدٍ.
وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى الصَّابِئِينَ وَالْمَجُوسَ مِنْهُمْ فِي كِتَابِهِ لِاتِّصَالِ بِلَادِهِمْ بِبِلَادِ الْعَرَبِ، فَلَمْ يُدْخِلْهُمْ فِي عُمُومِ الْمُشْرِكِينَ وَلَا نَظَمَهُمْ فِي سِلْكِ أَهْلِ الْكِتَابِ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ لَقَبَ " الْمُشْرِكِينَ " خَاصًّا بِوَثَنِيِّ الْعَرَبِ، وَلَقَبَ " أَهْلِ الْكِتَابِ " خَاصًّا بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ عَلَيْهِمُ الشِّرْكُ، وَالتَّارِيخُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَرِيقَيْنِ كَانَا أَهْلَ كِتَابٍ، أَمَّا الصَّابِئُونَ فَقَدْ ذُكِرُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي آيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ (2: 62) وَآيَةِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ (5: 69) وَأَمَّا الْمَجُوسُ فَقَدْ ذُكِرُوا مَعَ أُولَئِكَ كُلِّهِمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَجِّ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (22: 17) فَقَدْ جَعَلَ الْمَجُوسَ قِسْمًا مُسْتَقِلًّا، وَجَاءَتِ السُّنَّةُ بِمُعَامَلَتِهِمْ كَأَهْلِ الْكِتَابِ فِي انْتِهَاءِ قِتَالِهِمْ بِالْجِزْيَةِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ، وَإِنْ لَمْ يُحْفَظْ مِنْهُ مَا يُصَحِّحُ إِطْلَاقَ اللَّقَبِ عَلَيْهِمْ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَالصَّابِئُونَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُمْ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ آيَتَيِ الْبَقَرَةِ وَالْمَائِدَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهِمَا آنِفًا.
حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ هَذِهِ غَايَةٌ لِلْأَمْرِ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ يَنْتَهِي بِهَا إِذَا كَانَ الْغَلَبُ لَنَا، أَيْ قَاتِلُوا مَنْ ذُكِرَ عِنْدَ وُجُودِ مَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْقِتَالِ كَالِاعْتِدَاءِ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَى بِلَادِكُمْ، أَوِ اضْطِهَادِكُمْ وَفِتْنَتِكُمْ عَنْ دِينِكُمْ
أَوْ تَهْدِيدِ أَمْنِكُمْ وَسَلَامَتِكُمْ. كَمَا فَعَلَ الرُّومُ، فَكَانَ سَبَبًا لِغَزْوَةِ تَبُوكَ، حَتَّى تَأْمَنُوا عُدْوَانَهُمْ بِإِعْطَائِكُمُ الْجِزْيَةَ فِي الْحَالَيْنِ اللَّذَيْنِ قُيِّدَتْ بِهِمَا. فَالْقَيْدُ الْأَوَّلُ لَهُمْ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ صَادِرَةً " عَنْ يَدٍ " أَيْ قُدْرَةٍ وَسَعَةٍ، فَلَا يُظْلَمُونَ وَيُرْهَقُونَ. وَالثَّانِي لَكُمْ، وَهُوَ الصَّغَارُ الْمُرَادُ بِهِ خَضْدُ شَوْكَتِهِمْ، وَالْخُضُوعُ لِسِيَادَتِكُمْ وَحُكْمِكُمْ ; وَبِهَذَا يَكُونُ تَيْسِيرُ السَّبِيلِ لِاهْتِدَائِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ بِمَا يَرَوْنَهُ مِنْ عَدْلِكُمْ وَهِدَايَتِكُمْ وَفَضَائِلِكُمُ الَّتِي يَرَوْنَكُمْ أَقْرَبَ بِهَا إِلَى هِدَايَةِ أَنْبِيَائِهِمْ مِنْهُمْ. فَإِنْ أَسْلَمُوا عَمَّ الْهُدَى وَالْعَدْلُ وَالِاتِّحَادُ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا كَانَ الِاتِّحَادُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ بِالْمُسَاوَاةِ فِي الْعَدْلِ، وَلَمْ يَكُونُوا حَائِلًا دُونَهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَالْقِتَالُ لِمَا دُوْنَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا وَجُوبُهُ عَيْنِيًّا أَوْلَى بِأَنْ يَنْتَهِيَ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، وَمَتَى أَعْطَوُا الْجِزْيَةَ وَجَبَ تَأْمِينُهُمْ وَحِمَايَتُهُمْ، وَالدِّفَاعُ عَنْهُمْ وَحُرِّيَّتُهُمْ فِي دِينِهِمْ بِالشُّرُوطِ الَّتِي تُعْقَدُ بِهَا الْجِزْيَةُ، وَمُعَامَلَتُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاةِ كَالْمُسْلِمِينَ، وَيَحْرُمُ ظُلْمُهُمْ وَإِرْهَاقُهُمْ بِتَكْلِيفِهِمْ مَا لَا يُطِيقُونَ كَالْمُسْلِمِينَ، وَيُسَمَّوْنَ أَهْلَ الذِّمَّةِ ; لِأَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْحُقُوقِ تَكُونُ لَهُمْ بِمُقْتَضَى ذِمَّةِ اللهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَأَمَّا الَّذِينَ يُعْقَدُ الصُّلْحُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِعَهْدٍ وَمِيثَاقٍ يَعْتَرِفُ بِهِ كُلٌّ مِنَّا وَمِنْهُمْ بِاسْتِقْلَالِ الْآخَرِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 255
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست