responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 25
مِنْهَا أَبُو سُفْيَانَ - بَطِرِينَ بِمَا أُوتُوا مِنْ قُوَّةٍ وَنِعَمٍ لَمْ يَسْتَحِقُّوهَا، أَوْ كَفَرُوا نِعْمَةَ اللهِ - مُرَائِينَ لِلنَّاسِ بِهَا، لِيُعْجَبُوا بِهِمْ، وَيُثْنُوا عَلَيْهِمْ بِالْغِنَى وَالْقُوَّةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْمَنَعَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُمْ يَصُدُّونَ بِخُرُوجِهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ - وَهُوَ الْإِسْلَامُ - بِحَمْلِ النَّاسِ عَلَى عَدَاوَةِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ تَبْلِيغِ دَعَوْتِهِ، وَتَعْذِيبِ مَنْ أَجَابَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَمْنَعُهُمْ وَيَحْمِيهِمْ مِنْ قَرَابَةٍ أَوْ حِلْفٍ أَوْ جِوَارٍ وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ عِلْمًا وَسُلْطَانًا، فَهُوَ يُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِمُقْتَضَى سُنَّتِهِ فِي تَرْتِيبِ الْجَزَاءِ عَلَى صِفَاتِ النَّفْسِ.
قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مِنْ مَعَالِمَ التَّنْزِيلِ: نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ حِينَ أَقْبَلُوا إِلَى بَدْرٍ، وَلَهُمْ بَغْيٌ وَفَخْرٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: " اللهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا تُحَادُّكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللهُمَّ فَنَصْرَكُ الَّذِي وَعَدْتَنِي " قَالُوا: وَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ أَنَّهُ قَدْ أَحْرَزَ عِيرَهُ أَرْسَلَ إِلَى قُرَيْشٍ: إِنَّكُمْ إِنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ فَقَدْ نَجَّاهَا اللهُ فَارْجِعُوا. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَرِدَ بَدْرًا - وَكَانَ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ يَجْتَمِعُ لَهُمْ بِهَا سُوقٌ كُلَّ عَامٍ - فَنُقِيمُ ثَلَاثًا فَنَنْحَرُ الْجَزُورَ، وَنُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَنَسْقِي الْخَمْرَ، وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا الْقِيَانُ، وَتَسْمَعُ بِنَا الْعَرَبُ فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا. فَوَافَوْهَا فَسُقُوا كُئُوسَ الْمَنَايَا مَكَانَ الْخَمْرِ، وَنَاحَتْ عَلَيْهِمُ النَّوَائِحُ
مَكَانَ الْقِيَانِ. فَنَهَى الله عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ فِي نَصْرِ دِينِهِ وَمُؤَازَرَةِ نَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ اهـ.
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ أَيْ: وَاذْكُرْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ، إِذْ زَيَّنَ الشَّيْطَانُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَعْمَالَهُمْ بِوَسْوَسَتِهِ، وَقَالَ لَهُمْ بِمَا أَلْقَاهُ فِي هَوَاجِسِهِمْ: لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ، لَا أَتْبَاعَ مُحَمَّدٍ الضُّعَفَاءَ، وَلَا غَيْرَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، فَأَنْتُمْ أَعَزُّ نَفَرًا وَأَكْثَرُ نَفِيرًا، وَأَعْظَمُ بَأْسًا، وَإِنِّي مَعَ هَذَا - أَوْ وَالْحَالُ أَنِّي - جَارٌ لَكُمْ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَأَوْهَمَهُمْ أَنَّ اتِّبَاعَهُمْ إِيَّاهُ فِيمَا يَظُنُّونَ أَنَّهَا قُرُبَاتٌ مُجِيرٌ لَهُمْ حَتَّى قَالُوا: اللهُمَّ انْصُرْ أَهْدَى الْفِئَتَيْنِ وَأَفْضَلَ الدِّينَيْنِ اهـ.
فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ أَيْ فَلَمَّا قَرَّبَ كُلًّا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ الْمُقَاتِلَيْنِ مِنَ الْآخَرِ، وَصَارَ بِحَيْثُ يَرَاهُ وَيَعْرِفُ حَالَهُ، وَقَبْلَ أَنْ يَلْقَاهُ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَيَصْطَلِيَ نَارَ الْقِتَالِ مَعَهُ، نَكَصَ أَيْ: رَجَعَ الْقَهْقَرَى، وَتَوَلَّى إِلَى الْوَرَاءِ وَهُوَ جِهَةُ الْعَقِبَيْنِ (أَيْ مُؤَخِّرَيِ الرِّجْلَيْنِ) وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالتَّرَائِي التَّلَاقِي، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَفَّ عَنْ تَزْيِينِهِ لَهُمْ وَتَغْرِيرِهِ إِيَّاهُمْ، فَخَرَجَ الْكَلَامُ مَخْرَجَ التَّمْثِيلِ بِتَشْبِيهِ وَسْوَسَتِهِ بِمَا ذُكِرَ بِحَالِ الْمُقْبِلِ عَلَى الشَّيْءِ، وَتَرْكِهَا بِحَالِ مَنْ يَنْكُصُ عَنْهُ، وَيُوَلِّيهِ دُبُرَهُ. ثُمَّ زَادَ عَلَى هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى بَرَاءَتِهِ مِنْهُمْ، وَتَرْكِهِ هُمْ وَشَأْنُهُمْ، وَهُوَ: وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ أَيْ: تَبَرَّأَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 25
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست