responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 214
(33: 41 - 43) .
وَمَنْ أَقَامَ فَرَائِضَ اللهِ تَعَالَى كَمَا أَمَرَهُ، وَتَرَكَ مَعَاصِيَهُ كَمَا نَهَى، وَدَاوَمَ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ كَمَا نَدَبَ، وَأَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ كَمَا أَحَبَّ، فَإِنَّهُ يَصِلُ بِفَضْلِ اللهِ إِلَى الْمَقَامِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَدِيثُ الْقُدْسِيُّ: " وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا " الْحَدِيثَ، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَفِي سَنَدِهِ كَمَتْنِهِ غَرَابَةٌ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالْبَدَاهَةِ أَنَّ ذَاتَ اللهِ تَعَالَى لَا تَكُونُ صِفَةً أَوْ عُضْوًا لِغَيْرِهِ - وَلَا ذَاتَ الْمَخْلُوقِ أَيْضًا - وَإِنَّمَا الْمَعْنَى الْمُتَبَادِرُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ تَعَالَى يَكُونُ هُوَ الشَّاغِلَ الْأَعْظَمَ لِسَمْعِ مَنْ أَحَبَّهُ إِذَا سَمِعَ، وَبَصَرِهِ إِذَا أَبْصَرَ إِلَخْ. وَلِهَذَا مَرَاتِبُ: (أَوَّلُهَا) أَنَّهُ لَا يُوَجِّهُ سَمْعَهُ إِلَّا لِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ وَيُرْضِيهِ. (ثَانِيهَا) أَنَّهُ يَذْكُرُهُ تَعَالَى بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ عِنْدَ كُلِّ إِدْرَاكٍ وَكُلِّ عَمَلٍ فَيَزْدَادُ بِهِ مَعْرِفَةً وَعِلْمًا، وَهُوَ مَا كَانَ مَوْضُوعُ كَلَامِنَا فِي السَّمَاعِ آنِفًا. (ثَالِثُهَا) أَنَّهُ يَكُونُ مَوْضُوعَ عِنَايَةِ اللهِ وَتَصَرُّفِهِ فِيمَا يَسْمَعُهُ عَلَى حَدٍّ: وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ (8: 23) أَيْ أَنَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ لَهُ عِنْدَ سَمَاعِ مَا يَسْمَعُ، وَرُؤْيَةِ مَا يُبْصِرُ مِنَ الْعِلْمِ بِصِفَاتِهِ وَسُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ، فَيَطْلُبُهُ وَيَقْصِدُ إِلَيْهِ فَيَكُونُ مِنْ كَسْبِهِ كَمَا هُوَ شَأْنُهُ فِي الْمَرْتَبَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ الْكَسْبِيَّتَيْنِ. (رَابِعُهُمَا) مَا يُسَمُّونَهُ الْفَنَاءَ فِي اللهِ، وَهُوَ أَنْ يَغِيبَ الْعَبْدُ عَنْ شُهُودِ نَفْسِهِ وَالشُّعُورِ بِإِرَادَتِهِ وَحِسِّهِ، وَيَبْقَى لَهُ الشُّعُورُ بِأَنَّهُ مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ بَعْضِ صِفَاتِ رَبِّهِ، وَمَوْضِعٌ تَجَلِّي مَا شَاءَ مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، حَتَّى يَكُونَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْغَالِبَ عَلَى أَمْرِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (12: 21) وَهَذَا الْفَنَاءُ وَالشُّعُورُ لَا يَحْصُلُ لِمَنْ صَارَ مِنْ أَهْلِهِ، بِقَطْعِ الْمَرَاحِلِ، وَالتَّنَقُّلِ فِي الْمَرَاتِبِ الَّتِي مِنْ قَبْلِهِ، إِلَّا اللَّمْحَةَ بَعْدَ اللَّمْحَةِ، وَالْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ، وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ هِيَ وَحْدَةُ الشُّهُودِ، وَمَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ مَرْتَبَةٍ وَرَاءَ هَذِهِ تُسَمَّى وَحْدَةَ الْوُجُودِ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ وُجُودِ الْخَلْقِ عَيْنَ وُجُودِ الْحَقِّ، وَكَوْنِ ذَاتِ الْعَبْدِ هِيَ ذَاتَ الرَّبِّ أَوْ لَا عَبْدَ وَلَا رَبَّ،
وَمَا ثَمَّ إِلَّا شَيْءٌ وَاحِدٌ لَهُ مَظَاهِرُ وَأَطْوَارٌ، كَظُهُورِ الْمَاءِ فِي صُوَرِ الثَّلْجِ الْجَامِدِ وَالسَّائِلِ وَالْبُخَارِ، وَقَدْ يَحْتَجِبُ بِالِانْحِلَالِ إِلَى عُنْصُرِيَّةِ (الْأُكْسُجِينِ وَالْأَدْرُجِينِ) عَنِ الْأَبْصَارِ، فَهَذِهِ فَلْسَفَةٌ مَادِّيَّةٌ بَاطِلَةٌ، اخْتَرَعَتْهَا مُخَيِّلَاتُ صُوفِيَّةِ الْبُوذِيَّةِ وَالْبَرَاهِمَةِ وَهِيَ كُفْرٌ بِاللهِ، وَخُرُوجٌ مِنْ مِلَلِ جَمِيعِ رُسُلِ اللهِ، وَقَدْ فُتِنَ بِهَا بَعْضُ صُوفِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَهُمْ فِيهَا مِنَ الشِّعْرِيَّاتِ الْمَنْظُومَةِ وَالْمَنْثُورَةِ، وَتَأْوِيلِ بَعْضِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْمَأْثُورَةِ، مَا أَضَلَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِهِمْ وَبِهَا كَمَا ضَلَّ آخَرُونَ بِالْفَلْسَفَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالطَّبِيعِيَّةِ وَالْإِعْجَابِ بِأَهْلِهَا، وَقَدْ كَشَفَ شُبُهَاتِ الْفَرِيقَيْنِ، وَفَنَّدَهَا بِالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ، شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ، وَبَيَّنَ تِلْمِيذُهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ حَقَائِقَ التَّصَوُّفِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 214
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست