responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 185
وَجِيهٌ وَاضِحٌ وَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ الرَّازِيُّ وَأَبُو السُّعُودِ وَأَمْثَالُهُمَا مِمَّنْ يَعْنُونَ بِالْغَوْصِ عَلَى التَّنَاسُبِ بَيْنَ الْآيَاتِ، وَهَاكَ بَيَانُهُ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (3: 69) وَقَالَ: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (2: 125) وَقَصَّ عَلَيْنَا تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ خَبَرَ بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ لِهَذَا الْبَيْتِ، وَمَا كَانَا يَدْعُوَانِ بِهِ عِنْدَ رَفْعِ قَوَاعِدِهِ مِنْ جَعْلِهِمَا مُسْلِمَيْنِ لَهُ، وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَهُ، وَبَعْثِ رَسُولٍ مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ، وَقَدِ اسْتَجَابَ اللهُ تَعَالَى دُعَاءَهُمَا كُلَّهُ فَكَانَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا أُمَّةً مُسْلِمَةً مُوَحِّدَةً لَهُ تَعَالَى تُقِيمُ دِينَهُ فِي بَيْتِهِ وَفِي غَيْرِهِ كَمَا أَمَرَ، ثُمَّ طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَطَرَأَتْ عَلَيْهِمُ الْوَثَنِيَّةُ، وَتَرَكَ جَمَاهِيرُهُمْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِيَّةَ، حَتَّى بَعَثَ فِيهِمْ مِنْهُمْ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ، تَكْمِلَةً لِدَعْوَةِ جَدِّهِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَاوَمَ الْمُشْرِكُونَ دَعَوْتَهُ، وَصَدُّوهُ وَمَنْ آمَنَ بِهِ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ بِجِوَارِهِ، ثُمَّ مَا زَالُوا يُقَاتِلُونَهُمْ فِي دَارِ هِجْرَتِهِمْ إِلَى أَنْ صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَأَعَزَّ جُنْدَهُ، وَمَكَّنَهُمْ مِنْ فَتْحِ مَكَّةَ، وَأَدَالَ لِلتَّوْحِيدِ مِنَ الشِّرْكِ، وَلِلْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ.
فِلَمَّا زَالَتْ وِلَايَةُ الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَطَهَّرَهُ الرَّسُولُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنَ الْأَصْنَامِ، بَقِيَ أَنْ يُطَهِّرَهُ مِنَ الْعِبَادَةِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَأْتُونَهَا فِيهِ، وَأَنْ يُبَيِّنَ لَهُمُ الْوَجْهَ فِي كَوْنِ الْمُسْلِمِينَ أَحَقَّ بِهِمْ، فَلَمَّا آذَنَهُمْ بِنَبْذِ عُهُودِهِمْ، وَأَمَرَ عَلِيًّا كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَنْ يَتْلُوَ أَوَائِلَ سُورَةِ (بَرَاءَةٌ) عَلَى مَسَامِعِ وُفُودِهِمْ فِي يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ لِلْهِجْرَةِ، كَانَ مِنْ مَقَاصِدِ هَذَا الْبَلَاغِ الْعَامِّ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ عِبَادَتَهُمُ الشِّرْكِيَّةَ سَتُمْنَعُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ بِالتَّبَعِ لِزَوَالِ وِلَايَتِهِمُ الْعَارِضَةِ عَلَيْهِ، فَكَانَ عَلِيٌّ وَأَعْوَانُهُ يُنَادُونَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ بِمِنًى: لَا يَحُجُّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. وَإِنَّمَا أَمْهَلَهُمْ إِلَى مَوْسِمِ
السَّنَةِ التَّالِيَةِ لِفَتْحِ مَكَّةَ لِسَبَبَيْنِ فِيمَا يَظْهَرُ: (أَحَدِهِمَا) أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ أَصْحَابُ عَهْدٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ، كَانَ مِنْ شُرُوطِهِ أَلَّا يُمْنَعَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَحَدٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ مِنْ أَهَمِّ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فَأَمْهَلَهُمْ إِلَى انْقِضَاءِ عُهُودِهِمْ بِنَبْذِ مَا جَازَ نَبْذُهُ، وَإِتْمَامِ مَا وَجَبَ إِتْمَامُهُ، وَلَمْ يَكُنْ إِعْلَامُهُمْ بِذَلِكَ إِلَّا فِي مَوْسِمِ السَّنَةِ التَّاسِعَةِ كَمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى: (وَثَانِيهِمَا) أَنَّهُ كَانَ يَتَعَذَّرُ مَنْعُ مَنْ لَا عَهْدَ لَهُمْ فِي مَوْسِمَيِ الْعَامَيْنِ الثَّامِنِ وَالتَّاسِعِ بِدُونِ قِتَالٍ فِي أَرْضِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا بِمُقْتَضَى التَّقَالِيدِ يَأْتُونَ لِلْحَجِّ مِنْ كُلِّ فَجٍّ وَهُمْ كَثِيرُونَ، وَلَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْمُشْرِكِ وَالْمُسْلِمِ، وَلَا الْمُعَاهِدِ وَغَيْرِ الْمُعَاهِدِ إِلَّا بَعْدَ وُصُولِهِمْ إِلَى الْبَيْتِ، وَشُرُوعِهِمْ فِي الطَّوَافِ فِيهِ، فَكَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى مَنْعِ الْمُشْرِكِ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ قِتَالٍ فِيهِ فَضْلًا عَنْ سَائِرِ الْحَرَمِ - وَالْقِتَالُ مُحَرَّمٌ فِيهِ؟ وَقَدْ قَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: إِنَّهَا أُحِلَّتْ لَهُ سَاعَةً مِنْ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 185
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست