responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 176
(ثَالِثَتُهَا) كَوْنُهُمْ كَانُوا هُمُ الْبَادِئِينَ بِقِتَالِ الْمُؤْمِنِينَ فِي بَدْرٍ، إِذْ قَالُوا بَعْدَ الْعِلْمِ بِنَجَاةِ الْعِيرِ الَّتِي كَانُوا خَرَجُوا لِإِنْقَاذِهَا: لَا نَنْصَرِفُ حَتَّى نَسْتَأْصِلَ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، وَنُقِيمَ فِي بَدْرٍ أَيَّامًا نَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَتَعْزِفُ عَلَى رُءُوسِنَا الْقِيَانُ. وَكَذَا فِي أُحُدٍ
وَالْخَنْدَقِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ بِغَدْرِهِمْ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْمُؤْمِنُ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ كَمَا قَالَ الرَّسُولُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي جَوَامِعِ كَلِمِهِ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنَ الْمُقَرَّرِ فِي قَوَاعِدِ الْعَدْلِ الْعَامَّةِ أَنَّ الْجَزَاءَ وَاحِدَةٌ بِوَاحِدَةٍ وَأَنَّ الْبَادِئَ أَظْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ بَيَانِ هَذِهِ الْحُجَجِ: أَتَخْشَوْنَهُمْ؟ أَيْ أَتَتْرُكُونَ قِتَالَهُمْ خَشْيَةً لَهُمْ، وَجُبْنًا مِنْكُمْ؟ إِنْ كَانَتِ الْخَشْيَةُ هِيَ الْمَانِعَةُ لَكُمْ مِنْ قِتَالِهِمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ حَقَّ الْإِيمَانِ لَا يَخَافُ، وَلَا يَخْشَى إِلَّا اللهَ تَعَالَى لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِنْ خَشِيَ غَيْرَهُ بِمُقْتَضَى سُنَنِهِ تَعَالَى فِي أَسْبَابِ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ، فَلَا يُرَجِّحُ خَشْيَتَهُ عَلَى خَشْيَةِ اللهِ تَعَالَى بِأَنْ تَحْمِلَهُ عَلَى عِصْيَانِهِ، وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ، بَلْ يُرَجِّحُ خَشْيَتَهُ تَعَالَى عَلَى خَشْيَةِ غَيْرِهِ، بَلْ لَا يَخْشَى غَيْرَهُ حَقَّ الْخَشْيَةِ.
قِيلَ: إِنَّ هَذَا الِاسْتِفْهَامَ لِلْإِنْكَارِ وَالتَّوْبِيخِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ إِلَّا إِذَا كَانَ اللهُ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الِامْتِنَاعَ عَنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ خَوْفًا مِنْهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَلَا سِيَّمَا فِي الْحَالِ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِيهَا هَذِهِ الْآيَاتُ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهَدْمِ دَوْلَةِ الشِّرْكِ، وَقَدْ كَانُوا يُقَاتِلُونَهُمْ بِغَيْرِ جُبْنٍ وَلَا إِحْجَامٍ وَهُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ، وَالْمُشْرِكُونَ فِي عُنْفُوَانِ قُوَّتِهِمْ دَوْلَةً وَكَثْرَةً وَثَرْوَةً. وَإِنَّمَا هَذَا احْتِجَاجٌ آخَرُ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يَخْلُونَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَمَرْضَى الْقُلُوبِ، وَالسَّمَّاعِينَ لَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُعَظِّمُونَ مَا عَظَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ أَمْرِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَيَكْرَهُونَ الْقِتَالَ لِذَاتِهِ إِذَا لَمْ تُوجِبْهُ الضَّرُورَةُ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ (2: 216) الْآيَةَ. أَوْ لِرَجَاءِ انْتِشَارِ الْإِسْلَامِ بِدُونِهِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، وَهَدْمِ دَوْلَةِ الشِّرْكِ - فَهَذَا الَّذِي اقْتَضَى كُلَّ هَذِهِ الْحُجَجِ وَالْبَيِّنَاتِ
عَلَى كَوْنِ نَبْذِ عُهُودِ جُمْهُورِ الْمُشْرِكِينَ دُونَ مَنْ وَفَّى مِنْهُمْ بِعَهْدِهِ حَقًّا وَعَدَلًا، لَا يَتَضَمَّنُ خِيَانَةً وَلَا غَدْرًا، وَأَنَّ بَقَاءَهُمْ عَلَى حُرِّيَّتِهِمْ - وَهَذِهِ حَالُهُمْ - خَطَرٌ لَا تُؤْمَنُ عَاقِبَتُهُ فَهُوَ تَعَالَى يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ سَوْقِ تِلْكَ الْحُجَجَ الثَّلَاثِ الَّتِي تَكْفِي كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا لِإِيجَابِ قِتَالِهِمْ: إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ قِيَامِ هَذِهِ الْبَيِّنَاتِ مَنْ سَبَبٍ يَمْنَعُ مِنْ قِتَالِهِمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْخَشْيَةَ لَهُمْ وَالْخَوْفَ مِنْ قُوَّتِهِمْ، وَخَشْيَةُ اللهِ أَحَقُّ وَأَوْلَى مِنْ خَشْيَتِهِمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ فِي إِيمَانِكُمْ فَاخْشَوْهُ وَحْدَهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ رَأَيْتُمْ كَيْفَ نَصَرَكُمْ عَلَيْهِمْ فِي تِلْكَ الْمَوَاطِنِ الْكَثِيرَةِ، إِذْ كُنْتُمْ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 176
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست